شعب «ابن نكتة»!

خالد أبو بكر
خالد أبو بكر

آخر تحديث: الإثنين 18 يناير 2016 - 10:43 ص بتوقيت القاهرة

النكتة بالنسبة للمصريين، سلاح شعبى فتاك، فضاح، كاشف للعورات، بارع فى دخول حجرات نوم السلطة، ماهر فى رصد ما يجرى فوق سريرها من عشق حرام.. هى فضيحة لا يمكن أن «تستخبى»، يحملها المصرى فى ذاكرته أينما حلت راحلته، وأينما حط مجلسه.. يرددها بخفة دمه المعروفة؛ فتصبح سيرة الحاكم على كل لسان!

النكتة هى هتاف الصامتين، آهات الموجوعين، ونزهة المقهورين فى مواجهة الظلم والقمع وفساد السلطة.. هى الرسائل المفخخة التى يضعها الشعب فى صناديق بريد الحكام لتنفجر فى وجوههم.. سهامه المسمومة التى تنهش جسد الظالمين.. لو كانوا يحسون.. هى عصارة حكمة هذا الشعب الذى طوى جبابرة، وظل شامخا يسخر منهم، يخرج لهم لسانه، يعريهم، يكشف ألاعيبهم، سذاجتهم، بهتانهم، ولا أستثنى منهم أحدا.

ولا غرابة إذا عرفنا أن أقدم نكتة سياسية مكتوبة فى العالم فرعونية، يقول مضمونها «كيف ترفع معنويات الفرعون سنفرو حين يذهب لصيد السمك؟ الجواب: ترمى أحد العبيد بدون أن يدرى، ثم تصرخ بأعلى صوتك: هناك سمكة كبيرة يا سيدى».

كما سخر المصريون من الهكسوس، فصوروهم على جدارياتهم على شكل فئران، وقد جلسوا على مقعد الفرعون، بينما القطط وهى حيوانات فرعونية مقدسة تقوم بخدمتهم؛ فالمصرى صار ذليلا للمحتل!، ويقول هيرودوت إن «المصريين شعب ماكر، لاذع القول، روحه مرحة».

لم ينج الفرنسيون من تنكيت المصريين، حتى أن نابليون بونابرت ذُهل من المصريين عندما لم تنطلِ عليهم حيلة محاباته لدينهم، وقاموا بثورة جارفة ضد حملته على مصر التى استمرت ثلاث سنوات (1798 إلى 1801م)، انتهت بالحصار ودك الشوارع بالمدافع، وتدنيس الأزهر الشريف بسنابك الخيل، وبعد فشل ثورتهم انطلقوا يسخرون من بونابرت وجيشه وبلده، حتى اضطر إلى استغلال الدين لتحريم النكت ضد الفرنساوية! ولما استمرت هوجة التنكيت، سن عقوبات رادعة لمنعها، منها القتل، ورغم ذلك لم يقلع المصريون عن عادتهم، ولم تتوقف النكت، أو «الأضاحيك»، كما يقول الجبرتى.

ويقول المفكر المصرى الكبير أحمد أمين فى كتابه «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية» إن من صفات المصريين «حب البشاشة والفكاهة والنكتة»، وينقل عن ابن خلدون قوله «أهل مصر كأنهم فرغوا من الحساب» أى لا يبالون بالعواقب.

ويرصد أمين «أن أشد الناس بؤسا، وأسوأهم عيشة، وأقلهم مالا، وأخلاهم يدا، أكثر الناس نكتة.. ففى القهاوى البلدية، حيث يجلس الصناع والعمال، ومن لا صفة لهم ولا عمل، وفى المجتمعات الشعبية، حيث يجتمع البؤساء والفقراء تجد النكتة تحل بينهم محلا ممتازا.. ونجد ابن النكتة محبوبا مقدرا، يفتقد اذا غاب، ويبجل إذا حضر.. كأن الطبيعة التى تداوى نفسها بنفسها، رأت البؤس داء فعالجته بالنكتة دواء».

يقول الروائى البريطانى جورج أورويل عن النكتة إنها «ثورة صغيرة».. وبهذا المعنى يصبح الشعب المصرى فى ثورة لا تنقطع.. ولعلنا نتذكر بركان النكت الذى انفجر بعد ثورة 25 يناير، والذى طال كل شئ: النظام، الرئيس، الثوار أنفسهم. وساعدت على ذلك مواقع التواصل الاجتماعى، التى تنقل النكتة إلى العالم فور أن تخرج من فم المنكت، أو بعد انتهاء طرقعته على «الكيبورد».

ولعل أبرز النكت التى انتشرت بعد هذه الثورة، تلك التى تجمع مبارك بالرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات فى الآخرة، فعندما سأله الرئيسان السابقان عن سبب انتهاء حكمه بالقول «منصة ولا سم؟»، قال مبارك «لأَ.. فيس بوك».

تندر المصريون كذلك على الفساد الذى استشرى فى عهد مبارك، وعبروا عنه بنكتة تقول: «عندما كان مبارك على سرير المرض، أعطى وصاياه الأخيرة لأحمد نظيف:

وصيتك الحكم من بعدى، فأجابه فى رقبتى يا ريس، كله تمام، والسلطة هياخدها ابنك جمال. ثم راح فى غيبوبة، أفاق منها بعد قليل وقال لأحمد: وصيتك الشعب من بعدى، فأجابه: ما تخافش يا ريس، الشعب ياكل الزلط. ثم راح فى غيبوبة، أفاق منها بعد قليل وقال له: أحمد، أجابه «نعم يا ريس»، قال مبارك: «ما تنساش تعطى توكيل شركة الزلط لابنى علاء».

kaboubakr@shorouknews.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved