ليلة سقوط الحكومة التونسية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 17 يناير 2020 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى... نعرض منه ما يلى:

ما ضر لو قرأنا حدث «ليلة سقوط الحكومة» من منظور النوع الاجتماعى؟
لقد أثبت «الجملى» أنه ينظر إلى عالم السياسة باعتباره مجالا ذكوريا، وحقا مشروعا للرجال فمن خلاله يمتلكون السلطة، ويدعمون امتيازاتهم ومواقعهم داخل المجتمع. وفق هذا التصور كانت معظم نقاشات «الجملى» مع الرجال، وكان الخطاب الذى صاغه للحديث عن تشكيل الحكومة متضمنا عبارات: «المرشحون»، «المترشحون للوظائف»، «المواطن»، «التونسى»، «الشغيل»، «المستثمر»، «الفلاح»، «القادة التونسيون»، السياسيون، «السادة القضاة»، «الشهداء» و«الجرحى» وجدتُ فيهم، ولفتُ انتباههم، وسيمثلُ كل وزير ويقدم، وزارته... ولئن حاول «الجملى» توشية خطابه ببعض العبارات «التونسيات»، «المواطنة» و«بنات»... فإنه عجز فى النهاية، عن «جندرة» لغته، والتعبير عن رؤية إدماجية تقر بأن المرأة ليست وافدة على عالم السياسة، وليست متطفلة على الشأن السياسى بل هى حاضرة فى كل المجالات باعتبارها مواطنة كاملة الحقوق وبذلك لم تكن لغة «الجملى» مساعدة على ترسيخ ثقافة المواطنة ومناهضة للتمييز.
وعلى الرغم من محاولته إرضاء المنتقدين بدعوة بعض الوجوه النسائية، وترشيح بعض الأسماء فى حكومته فإن إقدام «مرشح النهضة» على عقد اجتماع بالكفاءات النسائية لخص تلك العقلية التى تقوم على الفصل بين الجنسين، والتفريق بين الأدوار التى تخص كل جندر. وقد كانت الصورة التى نقلتها وسائل الإعلام معبرة بالفعل، عن ذهنية إقصائية ترى العلاقات والأدوار والحياة من منظور يلح على ترسيخ التراتبية ولا يؤمن بالتشاركية.
لا شك أن دراسة خطاب «مرشح النهضة»، وطريقة تواصله مع النساء مفيدة إذا ما أخضعنا هذا الخطاب للتحليل الجندرى. ولكن ليس بمقدورنا التوسع فى ذلك فالحيز المتاح محدود، ومن ثمة سنكتفى بالإشارة إلى طريقة تفاعل عدد من التونسيين مع «الجملى» وتستوقفنا ردود الفعل التى ركزت على حلق الشارب، وهو فى صلة متينة بتمثل السياسى فى ثقافات متعددة ذلك أن الشارب يقرن بالسلطة والتسلط.
ولما كانت السخرية وسيلة من وسائل التعبير عن موقف من السياسيين، وممارسة نقدية واكبت المسار الانتقالى فقد وجدنا تعليقات ساخرة من حلق «الجملى» الشارب وتغيير مظهره فى محاولة منه لإبراز استقلاليته والتماهى مع متطلبات «دولة حداثية». فهذا نزار بهلول يكتب: «يسعى الرجل إلى تلميع صورته، باستثناء تلك الجوارب ذات اللون البنى الفاتح، والزى الذى يعود إلى موضة التسعينات وربطة العنق كما أنه لم ينس حلق شاربه». ولا نخال «مرشح النهضة» جاهلا بـ«أن السنة قص الشارب، وأما حلقه فمكروه: وهو مذهب المالكية» وأن حلقُهُ مِن البدع، وأن من الفقهاء من رأى أن يؤدب من حلق شاربه... ولا نحسب أن «الجملى» غير مدرك للدلالات الرمزية المرتبطة بالشارب، والتى تنم عن تمثلات تتصل ببناء الرجولة وبالأخلاق. فالرجل يقسم بشاربه إذا تعهد القيام بأمر ما، ويهدد بحلقه إذا لم يثق به الآخر أو شكك بوعوده. وكان الرئيس الفنزويلى، نيكولاس مادورو، قد تعهد بحلق شاربه فى حال أخفقت حكومته فى الوفاء بالتزامها بتوفير مليون وحدة سكنية للمواطنين بحلول نهاية سنة 2015... ومع ذلك أقدم «الجملى» على تغيير هيئته فكان رد عدد من الفايسبوكيين على سقوط الحكومة: «حلق شاربه من أجل الكرسى فخسر الاثنين معا». ويعبر تندر التونسيين بتقديم «مرشح النهضة» الشاى للضيوف بدلا عن القهوة (فى صلة بالطقوس والرموز...) وبحلق شاربه استعدادا لرئاسة الحكومة، عن تصور ذكورى للسياسة يرى فى هذا المحدد الجندرى (على عكس الحجاب) علامة دالة على امتلاك القدرة على تدبير السياسة وتحقيق الزعامة.
أما ما يسترعى الانتباه فى العلاقات الجندرية داخل مجلس الشعب فيتمثل فى استحضار عبارات ذات صلة بتمثل السلطة / الرجولة. فكم من نائب أشاد بمواقفه الرجولية وكم من منتقد اتهم خصمه بأن ما فعله لا يمت بصلة «للرجولى»... وكم من نائب لجأ إلى العنف المادى تعبيرا عن موقفه، وكم من عضوة استأسدت فى تجريح زملائها مدخلة بذلك طريقة ذكورية فى الفعل السياسى وصياغة الخطاب والتفاعل مع الخصوم (عبير موسى / سامية عبو) وكم من معلق رأى فيهما «امرأة بألف رجل».
تستأنس دراسات العلوم السياسية بالتحليل الجندرى لتثبت التحيز الذكورى والهيمنة الذكورية وتكشف عن طرق بناء السلطة وأشكال التمييز والعنف والتمثلات الاجتماعية والمتخيل السياسى وتدمج دراسات الإعلام التحليل الجندرى لتحليل الخطاب السياسى... وفى المقابل نشن حملات على الجندر ونشوه سمعة الدارسات المشتغلات بالتحليل الجندرى لأنهن يفضحن البنى الذهنية والتواطؤ الذكورى ولعبة الذكورة / الأنوثة فى السياسة ويشرن إلى نظام التمثلات. فالهزيمة مؤنثة والنصر مذكر وإذا ما وفق الرئيس فى «تنصيب» الحكومة فهو رجل وإذا ما «سقطت حكومته» تأنث...

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved