تصعيد مكتوم.. شرق المتوسط خلال 2022

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 17 يناير 2022 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب محمود قاسم، تناول فيه السمات العامة التى حكمت التفاعلات فى منطقة شرق المتوسط العام الفائت، كمحاولة لفهم المسارات المحتملة خلال العام الجارى... نعرض منه ما يلى.

شهد العقد الماضى صعود منطقة شرق المتوسط كأحد الأقاليم الفرعية التى جذبت اهتمام القوى الإقليمية والدولية، ويعود ذلك بشكل أساسى لحجم الاحتياطات من الغاز الطبيعى والذى يُقدر بنحو 340 تريليون قدم مكعب، وهو ما أضفى قيمة اقتصادية بجانب الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، مما جعل شرق المتوسط ساحة للتنافس الإقليمى والدولى، حيث عملت جميع الأطراف على تحقيق أكبر قدر من النفوذ الذى يؤمن لها مصالحها.
سمات حاكمة

على خلاف عام 2020 الذى كاد أن يشتعل فيه البحر الأبيض المتوسط عبر مواجهة عسكرية تم احتواؤها من قبل الأطراف الدولية بين تركيا واليونان، وذلك على خلفية الأنشطة التركية فى المياه الإقليمية لقبرص واليونان، ومحاولة فرض أمر واقع يتنافى مع قواعد القانون الدولى للبحار؛ فقد تميز عام 2021 بنوع من الهدوء، أو على أقل تقدير شهد العام الماضى تصعيدا مكتوما لم يصل فى حدته لما كان عليه الوضع عام 2020. وهو ما يستدعى الوقوف على السمات العامة الحاكمة للتفاعلات شرق المتوسط عام 2021، كمحاولة لفهم المسارات المحتملة خلال العام الجارى، وذلك فيما يلى:

أولا ــ استكمال البناء المؤسسى: كان الطابع المؤسسى بمثابة السمة الغالبة على التفاعلات الدولية شرق المتوسط، فخلال شهر مارس 2021، دخل ميثاق غاز شرق المتوسط حيز التنفيذ، كما تم التوقيع بعدها بنحو أربعة أشهر على اتفاقية دولة المقر، والتى وافق عليها مجلس النواب المصرى فى نوفمبر 2021، مما ساهم فى اكتمال جميع الجوانب الفنية والقانونية الرامية لتحويل منتدى غاز شرق المتوسط لمنظمة حكومية مقرها القاهرة.
من ناحية أخرى، شهد العام ميلاد «منتدى الصداقة» الذى عُقد اجتماعه الأول فى اليونان فى فبراير 2021، بمشاركة سبع دول من بينها ثلاث دول أوروبية وأربع عربية، فى تجمع يمكن وصفه بالعابر للحدود، مما يشير لحدود الترابط بين التحديات التى يمر بها الإقليم ورغبة دول المنطقة فى تعزيز التحركات الجماعية لتقويض التهديدات والتحديات التى تواجه دول المنطقة.

ثانيا ــ الردع عبر الترتيبات الأمنية: لم تغب التفاعلات الأمنية شرق المتوسط خلال 2021، رغم تراجع مؤشرات وملامح المواجهة العسكرية، وقد تشكلت تلك الترتيبات عبر عدد من الأنماط لعل أبرزها قيام دول المنطقة بعقد مجموعة من التدريبات والمناورات العسكرية فيما بينها، حيث شهد شهر نوفمبر استكمال التدريب المشترك «ميدوزا» فى نسخته الحادية عشرة. يضاف لذلك توقيع عدد من الشراكات الدفاعية والأمنية وفى مقدمتها الاتفاق الدفاعى بين اليونان وفرنسا خلال شهر سبتمبر، والذى لم يقتصر على المبيعات العسكرية، بل تطور الوضع للتوافق على صيغة تضمن المساعدة العسكرية المتبادلة فى حال تعرض أى طرف لهجوم عسكرى من دولة أخرى. على المنوال ذاته، وقعت الولايات المتحدة الأمريكية واليونان خلال شهر أكتوبر اتفاقا لتمديد التعاون الدفاعى بينهما.

ويمكن قراءة هذه الترتيبات فى ضوء رغبة فرنسا واليونان فى مواجهة عدد من التحديات، وفى مقدمتها التحدى التركى. كما تسعى الاتفاقية لتأمين الجناح الجنوبى لحلف الناتو. من ناحية أخرى، يصب الاتفاق بين واشنطن وأثينا فى إطار رغبة الولايات المتحدة فى مواجهة النفوذ الروسى والصينى المتصاعد شرق المتوسط، إذ إن الاتفاق يسمح بالوصول الأمريكى للقواعد العسكرية اليونانية، مما يوفر لواشنطن تحوطا ضد أية تهديدات محتملة.
ثالثا ــ استمرار الصراعات المسلحة: يُعتبر تجدد دورات الصراع أحد الملامح التى تشكلت خلال 2021 فى شرق المتوسط، فلا يزال الصراع السورى مستمرا دون تحقيق اختراق كبير، كما أن غياب الثقة وحالة الاستقطاب وتعارض المصالح بين الأطراف الداخلية والخارجية قادت لعرقلة الانتخابات الليبية وأفشلت المسار السياسى، فكان من المنتظر أن تُجرَى الانتخابات الليبية 24 ديسمبر، إلا أن ذلك لم يحدث، حيث عادت خلال الأشهر الماضية حالة العسكرة والتلويح باستخدام القوة والتصعيد من قبل عدد من الميليشيات غرب ليبيا. فى الوقت ذاته، لم تنجح المساعى الدولية فى التعامل مع قضية المرتزقة والقوات الأجنبية، يضاف لذلك عدم القدرة على إنجاز ملفات توحيد المؤسسات الليبية.

من ناحية أخرى، كانت دول شرق المتوسط على موعد مع تصعيد عنيف ومواجهة واسعة النطاق خلال الحرب الإسرائيلية على غزة فى مايو 2021، ويعتبر تجدد تلك المواجهة أحد التهديدات التى تؤثر على أمن دول شرق المتوسط، إلا أن الجهود المصرية والوساطة الفاعلة نجحت فى احتواء الصراع فى أعقاب التوصل لوقف إطلاق النار بين الجانبين.
رابعا ــ تعزيز الشراكات الاستراتيجية: ظل التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان خلال 2021، وذلك من خلال عقد القمة التاسعة فى أكتوبر، فى إطار آلية التعاون الثلاثى التى انطلقت فى نوفمبر 2014، فى دلالة على تحول الشراكة لما يشبه الطابع المؤسسى. من ناحية أخرى، استضافت اليونان فى نوفمبر القمة الثالثة لصيغة (3+1) وهو التحالف الذى يضم فرنسا بجانب كل من مصر وقبرص واليونان، والذى تم تدشينه مطلع عام 2020، وتشير تلك التحالفات والصيغ الجماعية لرغبة الدول المتوسطية فى تعزيز التعاون فيما بينهما لمواجهة التحديات المشتركة، سواء المرتبطة بالإرهاب أو النزاعات المسلحة والتهديدات الأخرى كالهجرة غير الشرعية ومشكلة اللاجئين والقضايا المرتبطة بأمن الطاقة.

تعاون أم صراع؟
وسط تلك التحولات يمكن أن تتشكل التفاعلات خلال عام 2022 فى إطار نمطين: أولهما تعاونى، ويدعم هذا النمط عددا من المؤشرات، من بينها رغبة أغلب الأطراف المنخرطة فى المتوسط فى تجنب المواجهات العسكرية والصدام بهدف الحفاظ على مصالحها، كما أن الترتيبات الجماعية ذات الطابع السياسى والأمنى التى شهدتها المنطقة ستدعم التعاون على حساب الصراع، وعليه يمكن أن يشهد عام 2022 جملة من التحولات فى إقليم شرق المتوسط، بحيث يمكن أن ينخرط عدد من الدول داخل منظمة غاز شرق المتوسط سواء فى إطار عضوية المنظمة أو الحصول على صفة مراقب.
كما قد تدفع الدول الأعضاء داخل المنظمة تجاه تبنى وساطة للتعامل مع الخلافات البحرية، ويمكن أن تشرع تلك الدول فى دفع إسرائيل ولبنان للعودة للمفاوضات بينها بشأن الحدود البحرية، خاصة أن الاتفاقيات الإبراهيمية والاندماج الإسرائيلى فى منظمة غاز شرق المتوسط يمكن أن يصبح مدخلا للتعاطى مع تلك الخلافات المستعصية، وقد يصبح ملف عودة المفاوضات بين البلدين مطروحا بقوة فى أعقاب الانتخابات اللبنانية المقرر عقدها فى مارس 2022.

وفى إطار التعامل مع الصراعات المسلحة، فقد تشهد الأزمة الليبية نقلة نوعية تتمثل فى إجراء الانتخابات خلال عام 2022، وإفراز سلطة شرعية تتولى التعامل مع القضايا المؤجلة والكبرى كتوحيد المؤسسات وإخراج المرتزقة.
من ناحية أخرى، يمكن أن يحدث ارتداد عن المسار التعاونى المحتمل وصولا للنمط الصراعى، ويتوقف هذا الافتراض بشكل أساسى على موقف أنقرة، ومدى جديتها فى تعزيز النهج التصالحى والتخلى عن دبلوماسية الزوارق الحربية ومحاولاتها فرض الأمر الواقع عبر التنقيب عن الغاز، الأمر الذى يظل محل شك فى ظل عدد من الشواهد لعل أبرزها إعلان تركيا إضافة سفينة رابعة للتنقيب عن الغاز شرق المتوسط، والاستعداد لجولة جديدة من التنقيب منتصف العام المقبل، فضلا عن عدم تخليها عن أهدافها وأطماعها شرق المتوسط، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال إعلانها فى مايو 2021 عن حفر آبار فى مناطق متنازع عليها مع قبرص.
فى الأخير، يُرجَح أن تطغى الصيغ التعاونية على التفاعلات فى إقليم شرق المتوسط خلال العام المقبل، وتظل فرص الصراع المفتوح أو الاحتكاك المباشر بين الأطراف الفاعلة محدودة، وقد يسيطر على المشهد حالة من الترقب والحذر بشأن التحركات التركية المحتملة.

النص الأصلى: هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved