حدود صحوة اليابان العسكرية

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الثلاثاء 17 يناير 2023 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب براهما شلانى تناول فيه تخلى اليابان عن السياسات الأمنية السلمية التى انتهجتها لعقود من الزمن، والاتجاه لتعزيز قوتها العسكرية لمواجهة الخطر الصينى الذى يلوح فى الأفق، لكن أشار الكاتب إلى أن تلك الصحوة العسكرية لليابان خجولة إلى حد ما ولا تشكل قوة دفاعية ضد التهديدات الصينية، وعليه يتعين على اليابان أن تعزز من قدراتها العسكرية بجرأة أكثر لإحباط جهود الصين السرية... نعرض من المقال ما يلى.
لعقود من الزمن، أسست اليابان نفوذها الدولى على القدرة التنافسية الاقتصادية، وليس القوة العسكرية. ولكن بعد أن أصبح ظل الصين المظلم المتطاول يخيم على عتباتها، يبدو أن اليابان بدأت تتخلى الآن عن سياستها الأمنية السلمية التى انتهجتها بعد الحرب ــ والتى حددت للإنفاق الدفاعى سقفا لا يتجاوز 1% من الناتج المحلى الإجمالى واجتنبت السعى إلى امتلاك القدرات الهجومية ــ لصالح تولى دور مركزى فى الحفاظ على الأمن فى منطقة الهادى الهندى.
فى الشهر الماضى كشفت اليابان عن استراتيجية جريئة جديدة للأمن القومى، والتى تتضمن خطة لمضاعفة الإنفاق الدفاعى فى غضون خمس سنوات. هذا الإنفاق ــ الذى يصل فى مجموعه إلى 320 مليار دولار ــ سيمول عملية تعزيز القوة العسكرية الأكبر فى اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وسوف يمثل ثالث أكبر ميزانية دفاعية على مستوى العالَـم بعد الولايات المتحدة والصين. الأمر المهم هنا هو أن الاستراتيجية الجديدة تشمل اكتساب قدرات ضربات الردع المضادة مثل صواريخ توماهوك الموجهة التى ستشتريها من الولايات المتحدة، وتطوير أسلحة فرط صوتية من إنتاجها.
• • •
بدأت اليابان تُـرسى الأساس لهذا التحول فى عهد رئيس الوزراء السابق آبى شينزو، الذى اغتيل فى يوليو الماضى. تحت إشراف آبى، زادت اليابان إنفاقها الدفاعى بنحو 10%، والأمر الأكثر أهمية أنها أعادت (بموافقة البرلمان) تفسير «دستور السلام» الذى فرضته الولايات المتحدة عليها بحيث يسمح للمؤسسة العسكرية بتعبئة القوات فى الخارج للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. سعى آبى أيضا إلى تعديل المادة التاسعة من الدستور، والتى تنبذ «التهديد باستخدام القوة أو استخدامها» من جانب اليابان، لكن جهوده أُهـدِرَت بسبب احتجاجات شعبية.
لم يواجه رئيس الوزراء فوميو كيشيدا ذات القدر من المقاومة. على العكس من ذلك، تُـظـهِـر استطلاعات الرأى أن غالبية اليابانيين يدعمون تعزيز القوة العسكرية. حدث تحول مماثل لكيشيدا ذاته، الذى كان يُـعَـد بين الحمائم على نطاق واسع عندما كان وزيرا للخارجية ــ وهو الوصف الذى تبناه علنا.
الدافع وراء هذا التحول واضح. فى عام 2013، عندما أصبح شى جين بينج رئيسا للصين، وصفت استراتيجية الأمن القومى اليابانية الصين بأنها «شريك استراتيجى». على النقيض من ذلك، تمثل الصين وفقا للاستراتيجية الـمُـحَـدَّثة «التحدى الاستراتيجى غير المسبوق والأعظم الذى تواجهه اليابان فى سعيها إلى ضمان سلامها وأمنها». الواقع أن نهج الصين التوسعى المتنامى الذى لا يلين فى عهد شى جعل موقف اليابان المسالم غير مقبول.
كان هذا أشد وضوحا من أى وقت مضى فى أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، الذى تسبب فى اشتداد المخاوف من أن تلاحق الصين خيارا عسكريا ضد تايوان، التى تُـعَـد فعليا امتدادا لأرخبيل اليابان. فى أغسطس الماضى، سقطت خمسة من الصواريخ التسعة التى أطلقتها الصين أثناء التدريبات العسكرية فى المياه حول تايوان فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان. ومن المفهوم أن تنظر اليابان إلى أمن تايوان باعتباره جزءا حيويا من أمنها.
اليابان ليست القوة الوحيدة التى كانت تصالحية ذات يوم والتى تستجيب الآن لنزعة شى جين بينج الرجعية العضلية بعزيمة متجددة لتعزيز دفاعاتها وإحباط محاولات تحويل منطقة الهادى الهندى إلى كتلة تتمحور حول الصين. فقد شرعت أستراليا والهند على ذات المسار.
علاوة على ذلك، نشأ اتجاه مماثل نحو العسكرة بين حلفاء اليابان فى الغرب. فقد تعهدت ألمانيا، وهى دولة أخرى مسالمة، بزيادة إنفاقها الدفاعى إلى 2% من الناتج المحلى الإجمالى (وهو ذات المستوى الذى يستهدفه كيشيدا) وقبول دور القيادة العسكرية فى أوروبا. وقد تجاوزت المملكة المتحدة بالفعل مستوى 2% من الناتج المحلى الإجمالى، لكنها تسعى رغم ذلك إلى مضاعفة إنفاقها الدفاعى بحلول عام 2030. كما رفعت الولايات المتحدة للتو إنفاقها العسكرى الضخم بالفعل بنسبة 8%. والآن تنضم السويد وفنلندا إلى منظمة حلف شمال الأطلسى (الناتو) المتجدد النشاط.
• • •
فى حين أصبحت إعادة تسليح اليابان مقبولة على نطاق أوسع من أى وقت مضى ــ ولسبب وجيه ــ فمن غير المرجح أن تكون كافية لردع زحف الصين التوسعى. فعلى الرغم من امتلاك الهند ثالث أكبر ميزانية دفاعية على مستوى العالم، فقد عَـلِـقَـت فى مواجهة عسكرية مع الصين على حدود الهيمالايا المتنازع عليها منذ عام 2020، عندما باغتتها التعديات السرية من جانب جيش التحرير الشعبى. ولا تزال الاشتباكات تندلع بشكل متقطع، بما فى ذلك فى الشهر الماضى.
على النقيض من روسيا، التى شنت هجوما مباشرا عنيفا على أوكرانيا، تفضل الصين التكتيكات المتدرجة، مع اقتطاع أجزاء من أراضى بلدان أخرى بالاستعانة بخليط من التسلل والخداع والمفاجأة. من الواضح أن ما يسمى «الحرب الثلاثية» التى يخوضها جيش التحرير الشعبى، والتى تركز على الجوانب النفسية، والرأى العام، والأبعاد القانونية لهذا الصراع، عملت على تمكين الصين من تأمين انتصارات استراتيجية فى بحر الصين الجنوبى ــ من الاستيلاء على الحيد البحرى جونسون ساوث فى عام 1988 إلى احتلال سكاربورو شول فى عام 2012 ــ دون أن تضطر إلى إطلاق أى رصاصة تقريبا.
ولأن الصين تتجنب فى عموم الأمر الصراع المسلح، فإنها تتحمل أقل قدر من التكاليف الدولية عن أفعالها، حتى فى حين تعيد من جانب واحد رسم الخريطة الجيوسياسية لبحر الصين الجنوبى، وتقضم أراضى بوتان الحدودية، قطعة صغيرة من أراضى الرعى فى كل مرة. كما تمكنت الحكومة فى بكين من تقويض الحكم الذاتى فى هونج كونج دون أن تواجه عقوبات غربية ذات وزرن.
لم يُـزِد الإفلات من العقاب على كل هذه الأفعال شى جين بينج إلا جرأة، وهو يسعى الآن إلى تكرار استراتيجية بحر الصين الجنوبى فى بحر الصين الشرقى من خلال تصعيد التوغلات البحرية والجوية لتعزيز مطالبة الصين بجزر سينكاكو التى تديرها اليابان. حتى إن الصين حاولت تسيير دوريات شرطية فى المياه قبالة سينكاكو.
ظل رد اليابان على استفزازات الصين مقيدا حتى الآن، وهذا أقل ما يُـقال: فلم يُـقـدِم أى وزير دفاع يابانى على إجراء تفتيش جوى لجزر سينكاكو، خشية أن تغضب الصين. لكن اقتناء اليابان صواريخ توماهوك وأسلحة فرط صوتية لا يمثل بالضرورة وسيلة فَـعّـالة لمقاومة الحرب الهجين التى تشنها الصين. ولهذا، يتعين على اليابان أن تعمل على إيجاد وسيلة فَـعّـالة لإحباط جهود الصين السرية الماكرة لتغيير الوضع الراهن فى حين تتجنب خطر القتال الصريح.
يجب أن يكون سعى اليابان إلى الاعتماد على الذات بدرجة أكبر موضع ترحيب. فسوف تُـتَـرجَم القدرات الدفاعية المحسنة إلى يابان أكثر ثقة وأمانا ــ ومنطقة الهادى الهندى أكثر استقرارا. ولكن إذا كان لليابان أن تتمكن من «تعطيل وهزيمة» التهديدات، على حد تعبير استراتيجية الأمن القومى، فيجب على قادة اليابان أن يتحركوا بشكل استباقى للتغلب على الصين فى ذات اللعبة التى تجيدها.
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved