الخروج من العلبة

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 17 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تشهد سوق الكتاب حاليا حماسة شديدة لنوعية من التجارب التى يصعب تصنفيها عادة رغم ما تلقاه من رواج، هل هى اعترافات، أم شهادات، أم مذكرات، أم تحليل سياسى من الداخل وقد امتزج بشىء من السيرة الذاتية، أم لمحات عن جماعة التصقت بها طويلا صفة «محظورة» ثم انتقلت إلى الحكم؟ اختر ما شئت من التسميات، لكن الواضح أن بعض القراء يتعاملون معها بحب استطلاع كبير، كما قد يفعلون مع النصوص التى يروى أصحابها كيف ماتوا وعادوا إلى الدنيا مجددا وماذا رأوا فى حياة البرزخ؟ وما نراه من ولع بالقراءة عن الإخوان المسلمين يذكرنا إلى حد ما بالذى حدث مع المؤلفات التى تتعلق بالإسلام فى أعقاب تفجيرات 11 سبتمبر، عندما أقبل الغرب على شرائها فى محاولة للفهم، وارتفعت نسبة مبيعات النسخ الإنجليزية للقرآن، والتحق البعض بمعاهد متخصصة لدراسة الأديان المقارنة، كما لو أنهم يعيدون اكتشاف من عاشوا إلى جوارهم منذ زمن بعيد، وشعروا أنهم بحاجة لأن يعرفوهم أكثر فقط عندما حدث الانفجار.

 

ومثل هذه الأعمال التى تستعرض تجاربا شخصية تطرح غالبا إشكالية «الموضوعية»، هل يمكن للكاتب أخذ البعد المطلوب ليدلى بشهادته؟ وهل يمكننا وضعها فى سياق تاريخى رغم تواتر الأحداث؟ وكيف تؤثر الظروف التى كتب فيها العمل على طبيعة البناء؟ وماهى حدود الطرح المقدم من قبل الفرد الذى قرر أن يتحدث ليستريح؟ فعادة الرغبة فى مشاركة أفكاره وحكاياته مع آخرين تكون بغرض التحرر من ثقل الذكريات والتطهر وتوصيل الدروس المستفادة إلى أكبر عدد ممكن من البشر.

 

●●●

 

يقول مثلا الشاب ــ أحمد العجوز ــ صاحب كتاب « إخوانى (out of the box ) أو خارج العلبة، فى طبعته الثالثة عن دار دَوِن: « مرر هذا الكتاب إلى أهل بيتك، صديقك، جارك، زميلك فى العمل، أو حتى شخص ما فى المواصلات العامة لم تره من قبل!». وهو يكرر فى مواضع مختلفة أن الكتاب ليس خروجا على الجماعة ولا كبتا ولا تصفية للحسابات، بل «خروج عن الدائرة فى استراحة من عناء الدوران (...) خوفا من أن يتجمد عقلى أو يوضع فى ثلاجة»، لأن بعض الرؤى كانت ترى أن الحفاظ على التنظيم أهم من تطوير الفكرة، ولأن مفهوم القيادة تحول إلى مفهوم السيطرة وصناعة الأتباع، على حد تعبيره، من شباب تغلب عليهم العاطفة وحب البطولة. ويؤكد على الفكرة نفسها هيثم أبو خليل الذى استقال من الجماعة بعد 22 سنة، وكان ذلك فى مارس 2011 اعتراضا على لقاء غير معلن بين أعضاء مكتب الإرشاد واللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق خلال أحداث ثورة يناير، وهو يصف التربية الإخوانية فى كتابه «إخوان إصلاحيون» ( دار دوِن، 2012) بأنها: «قائمة على الحشد النفسى العاطفى أكثر من الإقناع والتشرب العقلى، ذلك أن القائمين على التربية خطباء بالدرجة الأولى وليسوا من المفكرين الدارسين». ويصف كذلك محتوى البرامج التربوية للإخوان بأنه تجريدى، يختزل القضايا ويبسطها تبسيطا مخّلا ويصنع «طوباويات» روحية وصوفية، مضيفا أن أسلوب المدارسة داخل الأسر الإخوانية يفتقد إلى تنمية القدرة على التركيز والتلخيص والفهم، وأن المفاضلة داخل التنظيم تتم بناء على القدرة على التنفيذ وليس على الابتكار أو الإبداع. أبو خليل ينشر فى كتابه بالأساس أوراقا قدمت للمراجعات الفكرية والاستراتيجية من حوالى 25 سنة، فهى تجارب الإصلاح الممنوعة التى نتعرف من خلالها على تغير شكل الجماعة منذ فترة الثمانينات وتضخم دور وحجم القيادة، وكذلك على أسماء بعينها من تيار الإصلاح كحامد الدفراوى وإبراهيم الزعفرانى وخالد داوود وغيرهم من الذين رفضوا «آفة القيادة الأبوية»، فالسرية تؤدى أحيانا إلى الاستبداد بالرأى تحت دعوى أن القيادة تعرف أكثر، على حد قوله.

 

●●●

 

هل يستسلم هؤلاء أم يضغطون من أجل الإصلاح على طريقتهم؟ كثرت فى الآونة الأخيرة الكتابات التى تسعى لكشف غموض الجماعة ووصل بعضها إلى طبعته التاسعة مثل «سر المعبد» (دار نهضة مصر، 2012 ) لثروت الخرباوى الذى شبه التنظيم بالمعبد: له نظام وكاهن أكبر وكهنة آخرون وتابعون. أما المدون الشاب ــ سامح فايز ــ فقد وصف نفسه بأنه العائد من «جنة الإخوان»، وهو لم يصل لدرجة رفيعة داخل التنظيم الذى انفصل عنه منذ أكثر من سبع سنوات، وبالتالى لم يدخل فى مسائل المشايخ الكبار ومكتب الإرشاد...كل هذه العنوانين بالإضافة إلى مذكرات أسماء أخرى شهيرة مثل محمد حبيب، نائب المرشد السابق، ستزيد من الاهتمام الآنى بظاهرة كتب الإخوان التى فرضتها الظروف السياسية والحفاوة الإعلامية، لكن سرعان ما ستهدأ هذه الموضة ويبدأ الناس فى المفاضلة بين تلك الآراء والاختلافات الحقيقية والتفصيلية بين أصحابها...و لن يظل على أرفف العرض فى المكتبات سوى ما ستثبت الأيام دقته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved