الصحف الورقية تنتظر «التكفين»

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 17 فبراير 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

قبل أسبوع أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، عزمها وقف إصدار النسخة الورقية من صحيفتها اليومية «ستارز آند سترايبس» التى يعود تاريخ صدور طبعتها الأولى إلى عام 1861 خلال الحرب الأهلية الأمريكية.
المديرة المالية فى «البنتاجون»، إلاين مكاسكر، قالت خلال تقديمها مشروع ميزانية البنتاجون لعام 2021: «قررنا أنه فى العصر الحديث، لم تعد الصحف الورقية هى الطريقة التى نتواصل من خلالها».
إعلان مكاسكر جاء تأكيدا لمعلومات نقلتها من قبل صحيفة «وول ستريت جورنال» عن وثيقة ميزانية صادرة عن البنتاجون قالت إن «الوزارة تتطلع إلى خفض دعمها المالى لستارز آند سترايبس مع انتقال الجمهور من وسائل الإعلام المطبوعة إلى وسائل إعلام يمكن الوصول إليها على نطاق أوسع».
إغلاق صحيفة البنتاجون الورقية المرتقب يفتح الباب مجددا أمام الجدل الناشب منذ سنوات فى أوساط صناع الصحف الورقية وخبراء الإعلام، وهو جدل لن ينتهى إلا مع الوصول إلى خط النهاية فى معركة «الورقى والإلكترونى»، ومع سقوط الصحف المطبوعة بالضربة القاضية على حلبة منافسة لم تعد عادلة، ليس بحكم نقص التمويل المالى فقط، ولكن بفعل المستقبل الذى لا يرحم الجمود، ولا يعرف إلا لغة التغيير.
بعض الزملاء فى الوسط الصحفى لا يزالون يدافعون عن الصحف الورقية التى لم يعد مجموع نسخها الصادرة خلال يوم واحد فى مصر يوازى نصف النسخ المطبوعة لصحيفة قومية خلال الثمانينيات من القرن الماضى، وهى حقيقة لا يود أحد الاعتراف بأنها نتيجة طبيعية لثورة الاتصالات ونقل المعلومات عبر وسائل جديدة لا تعرف الجمود والتحجر، ولا تقف على «نواصى» الطرق التقليدية فى نشر الأخبار والتفاعل مع الأحداث.
قد يتعلل البعض بنقص التمويل، وربما يلقى البعض الآخر باللوم على سقف الحريات الذى ينخفض يوما وراء الآخر، وقد يرى ثالث أن نقص تدريب الأجيال الصحفية الجديدة، أو غياب المهنية، وراء تراجع الصحف الورقية من حيث التأثير على الجمهور، وهذه أسباب موضوعية لكنها ليست كافية لتفسير الوضع الذى وصلنا إليه.
ثلة من الزملاء الصحفيين لا تزال تقودهم العواطف، والتعلق بما تعودوا عليه، ويتجاهلون قول أحد الفلاسفة: «الإنسان لا ينزل النهر مرتين»، فالتغيير سنة كونية، وإلا ما تجاوز البشر مرحلة نقش الأخبار على المسلات الصخرية كما فعل أجدادنا الفراعنة، وأدعو هؤلاء إلى الكف عن العويل فوق جثة الصحف الورقية التى لا تنتظر سوى حسن التكفين، قبل أن توارى الثرى.
ربما يرى البعض أن ما أطرحه نوعا من الشطط، وأن الصحف الورقية باقية ما بقى الدهر، وأن كل المطلوب تطويرها لتقدم محتوى أكثر عمقا ومصداقية يساهم فى استعادة القراء الذى هجروا الورقى إلى الإلكترونى، وهو رد بات جاهزا ومعلبا وجزءا من استمرار الأزمة، فمنذ أكثر من عشر سنوات وأنا أسمع وأقرأ لـ «خبراء الإعلام» و«مهندسى» الفنون الصحفية هذا الكلام الذى لا يخرج عن كونه أحلام يقظة، أو «أوهام» لإلهاء الذات فى معركة خاسرة!
لم تتبنَ مؤسسة صحفية كبرى، أو مجموعة من الصحف، القضية، ولم تنظم نقابة الصحفيين، مؤتمرا يدعى إليه الأكثر انفتاحا على الجديد فى عالم الإعلام، ولا يكرر استضافة «الشلة» من محترفى «الكلام الساكت» كما يقول الإخوة السودانيون، لمناقشة كيفية تطوير القوالب الصحفية الموروثة عن القرن الماضى، وأن يبحث المؤتمر ذاته عن الإجابة على سؤال: كيف للصحف الورقية أن تقدم المحتوى الأكثر عمقا، والأكثر جذبا للقراء؟!... وحتى نكون منصفين هناك اجتهادات فردية، ومحاولات لجماعات محدودة العدد والتأثير، لكنها لم تتحول حتى الآن إلى تيار يمكن أن يحيى نهرا أصبح ماؤه غورا.
وفى مقابل سيل المغريات التى يقدمها الإعلام الإلكترونى، ومواقع التواصل الاجتماعى، لجذب ملايين المتابعين وخاصة من الأجيال الجديدة، يبقى السؤال: ماذا ينتظر الصحفيون من مناصرى المطبوع حتى يطوروا محتوى أوراقهم للصمود فى معركة البقاء فى مواجهة شاشات الهواتف الذكية، والكمبيوتر اللوحي، إذا كانوا حقا مناصريين؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved