الخروج الآمن من الأزمة

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 17 فبراير 2023 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

الأزمة الخانقة التى تواجهها مصر فى الوقت الراهن، تبرهن على حاجتها الماسة أكثر من أى وقت مضى إلى وجود «خريطة طريق» حقيقية، تسمح برسم ملامح «الخروج الآمن» من هذه المرحلة الخطرة والقلقة التى تعيشها البلاد، وبأقل الأضرار الممكنة.
صحيح أن هناك أفكارا للوصول إلى مخرج من المأزق الراهن، إلا أنها متباعدة ومتناثرة فى كل اتجاه، ولم تتبلور بعد فى شكل تصور متكامل للعبور من هذا النفق الذى لا يلوح فى نهايته أى ضوء واضح حتى الآن، مثل مؤتمر الحوار الوطنى الذى تمت الدعوة له منذ ما يقرب من عام، لكنه غرق طوال هذه الفترة فى «التفاصيل الإجرائية»، وكذلك قيام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بتنفيذ مشروع بحثى متكامل لصياغة السيناريوهات وبدائل السياسات اللازمة لتعامل الاقتصاد المصرى مع الوضع الاقتصادى العالمى.
الخروج الآمن الذى نتحدث عنه وتحتاجه البلاد على وجه السرعة، يتطلب وجود رؤية موضوعية تستند إلى تشريح دقيق وشامل للأوضاع الداخلية من كافة جوانبها، وتضع الحلول الممكنة لمعالجة أوجه الخلل التى أدت بنا إلى هذا الوضع الصعب، وكذلك الأسس اللازمة لعدم تكرارها فى المستقبل.
يرى البعض ضرورة التركيز فى هذه المرحلة على كيفية إخراج الاقتصاد المصرى من أزمته، والتى يشعر بوطأتها وقسوتها كل بيت مصرى، لكن هذا التصور وإن كان يخاطب الهم العام، إلا أنه لا يعالج أصل المشكلة التى تخيم على المشهد فى البلاد، لأن أزمة الاقتصاد ومحنته ومشاكله المزمنة، ما هى إلا عرض لمرض عضال، استشرى على نحو لافت خلال السنوات الأخيرة، وتمثل فى تغييب أو تهميش السياسة إلى حد كبير.
هذا الغياب للسياسة وإن كانت له مبررات قد تكون مقبولة فى الفترة الماضية، نظرا للظروف الصعبة والتحديات الجسيمة وموجات القلق التى تعرضت لها البلاد فى مرحلة الربيع العربى وما بعدها، إلا أن استمرار هذا الحال، ليس فى صالح الدولة نفسها، وبالتالى لم يعد العمل على إحياء السياسة مجرد رفاهية لـ«منظرى المقاهى» كما يرى البعض، بل هناك حاجة ماسة لتحريرها من القيود المفروضة عليها، وفتح المجال العام، وعدم الانفراد باتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بحياة المواطنين ومستقبلهم، وإطلاق الحريات والسماح بالآراء المعارضة، وإتاحة المجال أمام الشعب للمشاركة الحقيقية فى اتخاذ وصناعة القرار السياسى، وألا يظل متابعا لما يحدث فى بلاده من مقاعد المتفرجين، خصوصا أنه الوحيد الذى يدفع الثمن فى النهاية!.
بالتوازى مع العمل على إحياء السياسة، يجب أن يكون هناك تصور ورؤية ونظرة جديدة ومختلفة لدور ووظيفة الإعلام فى مصر، تقوم على الإيمان الراسخ بأن التنوع مطلوب والاختلاف واجب!.
إحياء السياسة وحرية التعبير والإعلام شرطان أساسيان لخروج البلاد بشكل آمن من أزمتها الاقتصادية الراهنة، أما الحديث عن أى سيناريوهات للتعامل مع تداعيات هذه الأزمة والمخاطر الناجمة عنها وضبط الأسواق ومواجهة الاحتكارات وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص وزيادة الصادرات وتقليل الاستيراد وجذب الاستثمارات الأجنبية، لن تؤتى ثمارها ما لم يتوافر هذان الشرطان.
التركيز والاستغراق فى تفاصيل الشأن الداخلى، لا يجب أن ينسينا أيضا علاقات مصر مع الخارج، وهو ما ينبغى وضع ضوابط حاكمة لها تحفظ للبلاد مصالحها ودورها، خصوصا لأن الأزمة الإعلامية «العابرة» مع السعودية خلال الفترة الأخيرة، والتى استدعت تدخلا رئاسيا أكثر من مرة لـ«تطييب خواطر» الأشقاء على الضفة الشرقية للبحر الأحمر، طرحت سؤالًا مهمًا حول دور مصر فى المنطقة، والتحديات التى تواجهها فى ظل المتغيرات الحاصلة الآن؟.
بشكل أكثر وضوحا، لابد من تغيير الصورة الذهنية الحالية عن مصر خصوصا فى المنطقة عن طريق المعالجة الجادة والموضوعية للمشكلات والتحديات الداخلية، وكذلك بناء علاقات متوازنة مع دول العالم تحكمها المصالح لا العواطف، والعمل بشكل جاد على استرداد مكانة ودور مصر كدولة مؤثرة فى محيطها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved