اختبار ضمير

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 17 مارس 2009 - 9:54 م بتوقيت القاهرة

 يدخل الموزعون وأصحاب دور العرض اختبارا حقيقيا فى الموسم الصيفى القادم.. اختبار فى الضمير الأخلاقى والمهنى تجاه السينما المصرية التى لم ينفرط فقط عقدها الذهبى كفن كان يصول ويجول فى المنطقة والمهرجانات العربية، بل باتت تتعرض لمؤامرات لطمس أى محاولة جادة خلال السنوات الأخيرة بفضل سياسة السوق التى تم فرضها كأمر واقع.

هذا العام يشهد عودة مجموعة من المخرجين الجادين والطموحين الذين ارتبطت أسماؤهم بالسينما الجيدة، وبتقديم أفلام حفظت بعضا من ماء الوجه للسينما المصرية.

انتفضوا واستيقظوا وفاقوا من سطوة السوق الانتاجية، بمحاولات ذاتية تحسب لهم لإصرارهم على تقديم ما يحلمون به حتى لو جلسوا فى بيوتهم سنوات.

فداوود عبدالسيد يعود بفيلم «رسائل بحر» ويسرى نصرالله بفيلم «احكى يا شهر زاد»، ومروان حامد بفيلم «إبراهيم الأبيض» وأسامة فوزى بـ«يوسف والأشباح» و«المسافر» لأحمد ماهر، الذى تلقى عليه وزارة الثقافة آمالا عريضة باعتبارها الجهه المنتجة، وفى الطريق «ستر وغطى» لعاطف حتاتة، وهى مجموعة تدعو للتفاؤل والأمل فى أنها ستوجد موجة مغايرة لما هو سائد على الساحة، وأثق بهم وبلغتهم السينمائية المشرفة، وهو حكم اعتمد فيه على سمعة ورصيد كل واحد منهم، حتى لو كان رصيد بعضهم فيلما واحدا.

فهل سيتيح أصحاب دور العرض والموزعون الفرصة الكاملة لهم ولأفلامهم لتحظى بميعاد عرض جماهيرى ولعدد من الأسابيع، أم أنهم سيعطون لهم ظهورهم كالعاده على حساب أنواع أخرى من الأفلام سئمناها، تساهم فى تزييف وعى الجماهير وإفساد ذوقه وتحبط حلمه الكبير فى مشاهدة سينما متميزة.

هل ستئد سياسة التوزيع أحلام هؤلاء المخرجين ويواصلون فصولهم «البايخة» فى عرضها بعدد محدود من صالات العرض وفى أوقات الامتحانات ثم يزيحوها تماما بحجة أنها لم تأت بـ«الهولد أوفر».

ورغم أن جميعنا يعرف أطراف اللعبة والحجج إياها، إلا أن هناك ثمة أملا فى أن يعود أصحاب دور العرض إلى صوابهم ويمنحون الفرص لهؤلاء المبدعين حتى لا يحبطون تماما.

وأذكر أن يسرى نصرالله عانى كثيرا لعرض فيلمه الكبير «باب الشمس»، ولم يسمح له الموزعون سوى بالعرض لمدة أسبوعين وفى توقيت صعب، رغم أن الفيلم حظى بنجاح كبير لدى عرضه فى المحافل الدولية وحتى فى دور العرض العربية والأوروبية، لدرجة أن نصرالله كاد أن يخرج الجمهور المصرى من حساباته ـ وكله طبعا أسى وحزن ـ بالطبع مسألة العرض السينمائى تدور فى ذهن هؤلاء المتميزين وإلا فلماذا يعملون ويجتهدون ويتحدون الزمن، أنه اختبار صعب لأصحاب دور العرض، لأن الأمر هذه المرة مختلف فحجتهم ـ غير المقنعة ـ بأنهم لا يعرضون سوى المتاح، سوف تتلاشى هذا الموسم بوجود هذه النخبة من الأفلام التى ربما لو أخذت فرصتها ستطيح بمملكة هشة، قامت على قناعات زائفة وروج لها من لا يهتم سوى بجمع الملايين، ولا يعنيهم أبدا ظهور أفلام حقيقية فقد صعدوا على حساب الفن الهابط بأعمال استهلاكية، وأنا أعرف أن من بين هؤلاء الموزعين وأصحاب دور العرض من يعشقون الفن السابع وكانت لهم مبادرات جريئة فى إعطاء الفرص لأفلام لا تنتمى للنوع التجارى الاستهلاكى وكسبوا الرهان، ولكنها محاولات قليلة لم تستمر سوى موسم أو اثنين.

وبعد أن فرطت وزارة الثقافة فى دور العرض التى كانت تملكها (40 دارا تقريبا) أصبح على غرفة صناعة السينما المصرية أن تمارس ولو لمرة واحدة دورها، وتعيد ترتيب البيت من جديد وتهدم جدار الاحتكار وتحفظ للمبدعين الحقيقين حقهم فى فرصة لعرض أعمالهم وبشفافية، وسوف تكون الغرفة نفسها أول المستفيدين إذا كانت سمعة السينما المصرية تهمها!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved