النفاق السياسى يزداد فى الهند

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الجمعة 17 مارس 2023 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

الديمقراطية الهندية هى ديمقراطية نفعية عالمية، فإذا تعرضت للضرر تعرضت الديمقراطية العالمية لضربة قاتلة. فى ضوء ذلك، نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب شاشى ثارور، دافع فيه عن تصريحات زعيم حزب المؤتمر الوطنى المعارض، راهول غاندى، فى زيارته للمملكة المتحدة عندما أعلن أن الديمقراطية الهندية فى خطر. غاندى تعرض للانتقاد من أعضاء الحزب الحاكم متهمين إياه أنه يحاول الاستقواء بالخارج، بينما رأى كاتب المقال أن غاندى قصد مطالبة العالم بالانتباه لما يحدث فى نيودلهى، وأن هذه الانتقادات اللاذعة بين الحزبين تنم عن حجم التصدع فى الخطاب الديمقراطى الهندى، سيظهر بشدة وقت إجراء الانتخابات، العام القادم... نعرض من المقال ما يلى:
مرة أخرى، يستشيط حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم فى الهند غضبا. فى زيارة أخيرة إلى المملكة المتحدة، صَـرَّحَ راهول غاندى ــ زعيم حزب المؤتمر الوطنى الهندى، وهو حزب المعارضة الرئيسية فى البلاد ــ بأن الديمقراطية فى الهند تتعرض للهجوم، وأن هذا ستترتب عليه عواقب عالمية. فى الهند أثارت تعليقاته رِدة فعل صاخبة.
أعرب كثيرون من ممثلى حزب بهاراتيا جاناتا عن غضبهم، مبالغين فى انفعالهم على نحو مميز. حتى أن المتحدث باسم بهاراتيا جاناتا والوزير السابق فى الحكومة، رافى شانكار براساد، اتهم غاندى بدعوة الولايات المتحدة وأوروبا إلى «التدخل فى شئون الهند الداخلية»، وطالَب رئيس المؤتمر الوطنى الهندى ماليكارجون خارجى ورئيسته السابقة سونيا غاندى «بالتبرؤ» من «تعليقات غاندى غير المسئولة والمخزية». واختتم حديثه بإعلان قال فيه إن حزب بهاراتيا جاناتا «يود أن يؤكد بشدة وبقدر عظيم من الألم أن راهول غاندى سعى فى خطاباته إلى الحط من قدر الديمقراطية، والدولة، والبرلمان، والنظام السياسى، والنظام القضائى فى الهند».
ولم يكن وزير الإعلام والإذاعة أنوراج ثاكور أقل ميلودرامية، حيث ناشد غاندى عدم «خيانة» الهند قبل إصدار تحذير مسبق: «لن يصدق أحد الأكاذيب التى تنشرها حول الهند من أرض أجنبية». ثم حاول ثاكور تشويه سمعة غاندى واصفا إياه بأنه «عاصفة من المجادلات» وأنه «لا يفوت أى فرصة للقدح فى الهند» وإلحاق الأذى بحزب المؤتمر الوطنى ككل، والذى أظهر من خلال نقل «قضية محلية إلى الأمم المتحدة» أنه «لم يخرج بَـعد من فكرة العبودية».
هذه الزوبعة السياسية فى فنجان لا تدور فقط حول تبادل الانتقادات اللاذعة بين الحزب الحاكم وحزب المعارضة الرئيسى. بل إنها تكشف أيضا عن خط صدع عميق فى الخطاب الديمقراطى الحالى فى الهند ــ وهو خط الصدع الذى سيصبح واضحا على نحو متزايد خلال العام المقبل، مع اقتراب الانتخابات الوطنية.
• • •
الواقع أن التهمة التى يوجهها حزب بهاراتيا جاناتا إلى غاندى خطيرة حقا. فكما بذل براساد قصارى جهده ليؤكد: «كانت الهند، أيا كان الحزب الذى يتولى السلطة، تعارض دوما وبكل شدة التدخل الأجنبى فى شئونها الداخلية»، إلا أنه منذ الاستقلال، كانت الهند شديدة الحساسية بشأن سيادتها. فبعد قرنين من الزمن من العجز عن تحديد مصائرهم السياسية، كان الهنود شديدى الحساسية إزاء أى تلميح إلى التدخل من الخارج، وخاصة من جانب أباطرة الهند الاستعماريين السابقين وحلفائهم فى الغرب.
أصبح تحرر الهند من الحكم الاستعمارى مرتبطا باستقلالها الاستراتيجى. احتفظت الهند بحقها فى اختيار موقفها من القضايا العالمية. وهى تمارس هذا الحق، فقد رفضت دعم أى من الجانبين فى الحرب الباردة وقادت بفخر حركة عدم الانحياز. عملت هذه الاستقلالية الشرسة ــ بما فى ذلك النفور من المحاضرات التى يلقيها أجانب حول الشئون الداخلية ــ على توحيد كل الأحزاب فى النظام السياسى الـشَـكِـس فى الهند. نيودلهى لا تتسامح مع أى تدخل خارجى فى حقها السيادى فى إدارة شئونها كما يحلو لها.
هذا يفسر قوة الاتهامات التى يوجهها حزب بهاراتيا جاناتا إلى غاندى. فالتصريحات التى قد لا تثير الدهشة إلا بالكاد إذا نُـطِـقَـت فى الداخل قد توصف على أنها شبه خيانة إذا جرى التعبير عنها فى الخارج ــ وخاصة فى بريطانيا. يتلخص الإجماع الوطنى، الذى تتبناه كل الأحزاب، فى أن الخلافات السياسية فى الهند تنتهى عند الحدود.
لكن أولئك الذين يشجبون غاندى لخرقه هذا الإجماع يتجاهلون حقيقة مزعجة: فأول من ارتكب هذا الانتهاك لم يكن سوى زعيم حزب بهاراتيا جاناتا، رئيس الوزراء ناريندرا مودى. أثناء زيارات رسمية إلى الخارج ــ بدءا من الولايات المتحدة فى عام 2014، أول عام له فى المنصب ــ أذهل مودى الهنود عندما أعلن على نحو متكرر أن الهند لم تشهد أى حدث حسن على مدى العقود السبعة الماضية. فلم يتمكن الهنود من رفع رءوسهم عاليا فى الخارج إلا بعد صعوده إلى السلطة، على حد زعمه.
لم تكن تصريحات مودى فى الخارج وحدها التى قوضت هذا الإجماع المقدس. فعلى مدى تاريخ نظام لجان البرلمان الهندى، كانت رئاسة لجنة الشئون الخارجية يتولاها عضو برلمانى مُـعارِض، من أجل إرسال إشارة مفادها أن الهند موحدة فى التعامل مع قضايا السياسة الخارجية. ولكن فى عام 2019، أزاح حزب بهاراتيا جاناتا عضو البرلمان من حزب المؤتمر الذى كان يتولى هذا الدور ليحل محله عضو من حزب بهاراتيا جاناتا.
• • •
إنها لمبالغة صارخة بعض الشىء أن يحتج ممثلو حزب بهاراتيا جاناتا على انتهاك غاندى للإجماع الوطنى والـعُـرف السياسى، خاصة وأن حزبهم كان الجانى الرئيسى فى هذا الصدد. لا يخلو الأمر من ظلم أيضا: فقد اختار غاندى كلماته بعناية، لكى يتجنب على وجه التحديد نقل أى انطباع بأنه يطلب التدخل الأجنبى فى شئون الهند. الواقع أنه صرح بوضوح وبشكل قاطع أن أزمة الديمقراطية فى الهند هى «مشكلة داخلية»، و«مشكلة هندية»، وأن «الحل سيأتى من الداخل».
فى ما يخص الأجانب، أشار غاندى إلى أن ديمقراطية الهند، نظرا لحجمها، تُـعَـد «منفعة عامة عالمية»، إذا انهارت «تتلقى الديمقراطية على الكوكب ضربة شديدة الخطورة، وقد تكون قاتلة». وعلى هذا فقد أشار إلى أن ما يحدث فى الهند مهم ليس فقط للهنود؛ بل يهم الغرب أيضا. قال: «سوف نتعامل مع مشكلتنا. ولكن يجب أن تدركوا أن هذه المشكلة ستكون لها تداعيات عالمية. لن تكون تأثيراتها محصورة فى الهند».
لا يبدو هذا وكأنه نداء للتدخل. بل كان غاندى، كما أَكَّـدَ حزب المؤتمر، يطلب من العالم أن ينتبه إلى ما يحدث فى الهند.
ذكرت وسائل إعلام هندية أن غاندى تساءل بصراحة ووضوح: «لماذا تتغافل أوروبا والولايات المتحدة، الكيانان اللذان يدافعان عن الديمقراطية، عن تفكك قسم كبير من الديمقراطية فى الهند؟!». وبفضل ردة فعل بهاراتيا جاناتا الهستيرية المفرطة فى المبالغة، إذا لم يكن الغرب انتبه من قبل، فمن المؤكد أنه أصبح الآن مدركا للمشكلة.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved