جولدستون.. شكرًا عندما كتبت وشكرًا عندما تراجعت

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الأحد 17 أبريل 2011 - 12:39 م بتوقيت القاهرة

أهم ما يشغل إسرائيل هو صورتها لدى الرأى العام العالمى.. خاصة فى الدول الغربية.. فحكومات هذه الدول لا يحركها شىء قدر ما يحركها الرأى العام لديها.

فلكى تضمن إسرائيل تدفق المال والسلاح والتأييد السياسى لهذه الحكومات لابد لها من استمرار حشد رأى عام مساند لها.. لذلك كان لتقرير اللجنة التى يرأسها القاضى اليهودى الجنوب الأفريقى ريتشارد جولدستون الذى أدان إسرائيل بارتكابها جرائم ضد الإنسانية وباستهدافها المدنيين عن عمد، ووفقا لسياسة منهجية.. كان لهذا التقرير وقع الصدمة.. حتى صرح نتنياهو بأنه يضع جولدستون جنبا إلى جنب مع برنامج إيران النووى وصواريخ حماس باعتبارها التحديات الاستراتيجية الرئيسية الثلاثة التى تواجه إسرائيل!!

ويقول ناعوم بارنيا الكاتب والمعلق الإسرائيلى بجريدة «يديعوت أحرونوت» إن الضرر الذى سببه هذا التقرير لإسرائيل كان شديدا حيث دمغت بالعدوان والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان فضلا عن أنه جعل القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين تحت تهديد الاعتقال بالخارج بينما أصبحت غزة قِبلة نشطاء حقوق الإنسان ووجهة أساطيل الحرية التى تحاول كسر الحصار.

إلى هذه الدرجة كان القلق فى إسرائيل وذلك يعود إلى صعوبة تجريح واضعى التقرير كما هى عادة إسرائيل.

فاللجنة التى وضعت التقرير مكونة من أربعة قضاة محترمين ومشهود لهم بالنزاهة والمكانة القانونية البارزة وعلى رأسهم جولدستون اليهودى الصهيونى الذى لا يخفى عقيدتيه سواء الدينية أو السياسية.

ما الذى جعل جولدستون يتراجع:

السبب المعلن كما جاء فى مقالة بجريدة الواشنطن بوست أنه «لو كان يعلم ما يعلمه الآن لما قال إن إسرائيل تعمدت استهداف المدنيين فى غزة»، فما الذى علمه جولدستون «الآن»؟ يقول جولدستون: إنها المعلومات التى وردت فى تقرير المتابعة الذى أعدته لجنة خبراء مستقلين من الأمم المتحدة بقيادة القاضية الأمريكية مارى ماكجاون دافيز، إلا أن الكاتب الأمريكى رودجر كوهين يقول إنه دهش أن يستند جولدستون إلى تقرير السيدة دافيز لكى يغير رأيه لأن تقريرها فى الواقع لم يتضمن أى معلومات جديدة تبرر هذا التغير بل إنها انتقدت بشدة التحقيقات التى أجرتها إسرائيل.

إذن فقد غير موقفه بناء على أسباب لا علاقة لها بالموضوعية بل بسبب تعرضه لضغوط من كل جانب حولت حياته إلى جحيم، فقد انهالت عليه الانتقادات من داخل إسرائيل وخارجها سواء من الدوائر اليهودية والصهيونية فى مختلف دول العالم أو من الكونجرس الأمريكى واللوبى الصهيونى على وجه الخصوص، وتعرض لضغوط شتى حتى داخل أسرته حتى تم تحطيمه نفسيا.

ويعرض السيد كوهين بعض ما وجه إلى جولدستون من شتائم: فهو منافق ويهودى كاره ليهوديته وهو «حقير» تسبب فى قتل اليهود لأن تقريره شجع على ذلك.

لماذا الشكر لجولدستون على تراجعه:

لأنه أحيا التقرير مرة أخرى وأخذت تتناوله وسائل الإعلام بكثافة بعد أن كان قد أودع الأدراج شأن ما سبقه من تقارير.. ومعظم التعليقات خارج إسرائيل تنتقد التراجع وتعيد للأذهان ما جاء فى التقرير الأصلى وتعرضه باعتباره ذات مصداقية كبيرة.. لذلك خاب ظن نتنياهو وأبطأ من زخم الحملة التى كان يقودها ضد تقرير جولدستون أملا فى أن ينساه العالم بعد أن أحياه نتنياهو دون أن يقصد خاصة وأن حملته لتوجيه أنظار العالم إلى تراجع جولدستون لم تلق إلا التجاهل من الرأى العام العالمى.

فى هذا يقول ناعوم بارنيا «للأسف العالم لم يعد يلقى بالا، لقد كون رأيه حول غزو إسرائيل لغزة عندما نشر التقرير لأول مرة، ولم يعد يهتم أحد بالنقاش حول تراجع جولدستون سوى اليهود.. لقد أصبح الأمر (مسألة يهودية)».

ولكن ما هى فائدة هذه التقارير:

أهم فائدة هى ما تتركه من أثر لدى العقل الجماعى للرأى العام الغربى على المدى البعيد، وهناك آثار أخرى أكثر قربا وهى احتمال تعرض بعض الساسة والعسكريين الإسرائيليين للملاحقة القاضية خارج بلادهم خاصة أولئك الذين يحملون جنسية مزدوجة، وذلك لأن إسرائيل غير منضمة إلى المحكمة الجنائية الدولية ولكن إذا وجد إسرائيلى متورط فى أعمال إجرامية ويحمل جنسية دولة أخرى عضو بالنظام الأساسى للمحكمة فيمكن ملاحقته نظرا لأن ولاية المحكمة تسرى إذا ما كان المتهم يحمل جنسية دولة عضو بهذا النظام الأساسى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved