وصفة جون ستيوارت لفهم النظام الأمريكى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 17 أبريل 2015 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

طرق عديدة يمكن للمرء اتباعها لفهم طبيعة النظام السياسى الأمريكى، آلاف وربما ملايين الكتب والدراسات تحلل وتنظر لهذا النظام السياسى البسيط والمعقد فى الوقت نفسه.

يرى البعض أن الطرق التقليدية عفى عليها الزمان لأنها لا تقدم أى جديد. من هنا تخرج أصوات، يعتبرها البعض شاذة، تنادى بجدوى طرق غير تقليدية ميسرة مثل مسلسل تليفزيونى على شاكلة «House of Cards» والذى يمكن ترجمته بـ«بيت النفوذ» وهو الذى يظهر تفاصيل عملية صنع السياسة الأمريكية بطريقة لن يذكرها أى كتاب، أو متابعة البرامج الكوميدية والتى يأتى على رأسها برنامج جون ستيوارت الشهير «the Daily Show» الذى بدأه عام 1999.

•••

ويعتبر جون ستيوارت من أهم الوجوه الأمريكية ومن أهمها تأثيرا حول العالم. بدأت شهرة ستيوارت تزداد مع اشتعال الأحداث السياسية حول العالم بعد حوادث 11 سبتمبر 2001، ومن قبلها انتخاب جورج بوش للرئاسة عام 2000.

وأصدر ستيوارت كتابا شديد الأهمية عام 2004 بعنوان «أمريكا الكتاب: دليل المواطن لديمقراطية لا تعمل» تناول فيه بسخرية شديدة (وأحيانا غير لائقة لغويا) ديمقراطية الولايات المتحدة التى يعتقد معظم العالم إنها النموذج الواجب إتباعه، كونها النموذج الأنجح للحكم.

جديد الكتاب أن كاتبه ليس من خبراء الاستراتيجية الدولية، وليس أكاديميا مخضرما ذا باع طويل فى مجاله، بل هو مجرد كوميديان مهم.

وجون ستيوارت وبرنامجه اليومى أصبحا أهم وسائل إيصال الأخبار السياسية للمواطن الأمريكى العادى. ويتفوق برنامجه على كل برامج الأخبار التقليدية ــ على شاشات سى إن إن أو فوكس نيوز. ويطرح الكتاب الساخر سؤالا مهما: «ما هى الديمقراطية الأمريكية؟» ويحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال عرض رؤية غير نمطية لطبيعة النظام السياسى الأمريكى. ويعرض الكتاب هيكل ومؤسسات الديمقراطية من خلال تحليل ما وراء الشعارات الأمريكية البراقة مثل «صوت واحد لكل شخص»، و«كل أمريكى يمكن أن يصبح رئيسا للجمهورية»، و«حكم الناس بالناس». ورغم سخرية الكتاب، إلا أن الكتاب وسيلة تعليمة ممتازة! ويمتلئ الكتاب بالأشكال البيانية والرسومات والخرائط التوضيحية الساخرة!

•••

يتناول الكتاب فى فصله الأول قصة الديمقراطية قبل وجود أمريكا ككيان ودولة وذلك من خلال عرضه للممارسات الديمقراطية عند الفراعنة والإغريق والرومان. ويبذل ستيوارت جهدا كبيرا لتذكير مواطنى شعبه بوجود الديمقراطية قبل وجود أمريكا بأكثر من 1500 عام، حيث لا يدرك المواطن الأمريكى قدم الأفكار الديمقراطية، ويعتقد الأمريكيون أن الأفكار الديمقراطية هى وليدة الثورة الأمريكية فى القرن الثامن عشر فقط. ثم يسخر ستيوارت من مؤسسى الولايات المتحدة من أمثال جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وبنيامين فرانكلين ويتهمهم بالديكتاتورية وحب إسالة الدماء وامتلاك العبيد. ويتناول أيضا الإطار النظرى للديمقراطية الأمريكية، وتأسيس الدولة، ويقول ساخرا: «إن الحجاج الأوائل الذين هاجروا بسبب عدم تمكنهم من ممارسة معتقداتهم الدينية إلى العالم الجديد، سريعا ما مارسوا استبدادا آخر على من يختلف مع معتقداتهم الدينية».

•••

ثم ينتقل ستيوارت لمؤسسة الرئاسة، ويرى أن الرؤساء الأمريكيين هم «ملوك متوجون» وأن هناك أكذوبة كبيرة تتعلق «بأن كل أمريكى يستطيع أن يصبح رئيسا». ويصنف ستيوارت الرؤساء الأمريكيين طبقا لعوامل مختلفة عما نعرفه عنهم مثل: من لم يحصل من الرؤساء على أغلبية أصوات الشعب ومع ذلك تم انتخابه للرئاسة، ومن منهم أكثر شذوذا جنسيا، ومن كان لون بشرته أكثر بياضا، من منهم أكثر شيخوخة، ومن أكثر الرؤساء الأمريكيين بدانة، ومن منهم قتل بواسطة وكالة المخابرات المركزية؟.

ثم ينتقل للكونجرس، وهو المؤسسة التى يعرفها ستيوارت «بمستنقع الديمقراطية»، حيث هناك أشخاص بدون أحاسيس، وذوى وجوه رمادية، لا يعملون شيئا سوى الخضوع لضغوط جماعات المصالح التى يمثلها شياطين. ويعتقد ستيوارت أن تواجد الكونجرس فرضته حاجة المجتمع لكتابة قوانين، وأن أغلبية المواطنين مشغولين بتفاصيل حياتهم اليومية، لذا يترك المجال لأصحاب المصالح الخاصة Lobbyists لاستغلال هذا الوضع لخلق قوانين مفيدة لهم ولمصالحهم بصفة أساسية. وعن السلطة القضائية، يشكك ستيوارت فى كفاءة القضاة خاصة من منهم فى المحكمة الدستورية العليا. ويقول «قضاة المحكمة الدستورية العليا كلهم ذاهبون لجهنم». ويرى أن النظام القضائى الأمريكى ساعد على خلق شياطين يعرفون باسم «المحامون».

•••

ولا يفوت ستيوارت السخرية من الحملات الانتخابية التى يراها تمثل فقط انعكاسا صريحا لسيطرة رأس المال على كل شىء فى أمريكا خصوصا السياسى منها. ويرى أن دائرة النظام الأمريكى تدور بين ثلاث عوامل أساسية: الانتخابات، والحملات الانتخابية، وأخيرا حكم الناس. وينادى ستيوارت بضرورة «تعلم السياسى أسلوب المناظرات الحقير، وضرورة التكيف مع وضع الدفاع والهجوم بدون معرفته لماذا». ويحبذ ستيوارت الاختلافات العرقية بين مواطنى أمريكا، وينادى بتشجيع الهجرة من مختلف بقاع الأرض لأمريكا لسبب وجيه وهو «توفر أنواعا مختلفة وجديدة من الطعام الرخيص الجديد للأمريكيين البيض».

وينال الإعلام الأمريكى نصيب الأسد من تهجم وسخرية ستيوارت، فهو «الشيطان سيئ الأخلاق» و«حارس الديمقراطية الملاك» وبدلا من كون وسائل الإعلام ضرورة لنقل الأخبار للمواطنين، أصبحت مركزا للتلهية الموجهة. وينصح بضرورة إدراك الأخبار المنحازة غير المستقلة، وهو يرى أن اليهود (هو نفسه يهودى) والمثليين جنسيا يسيطرون على الإعلام الأمريكى.

•••

وينال بقية العالم 22 صفحة فقط من صفحات الكتاب الـ240. ويصف ستيوارت بقية العالم «ببيت الرعب الدولى»، ويطالب بضرورة تعلم لوغاريتمات الشرق الأوسط فى المدارس الابتدائية.

بقى أن أذكر القارئ أن جون ستيوارت قرر التخلى عن برنامجه الشهير قبل نهاية 2015 من أجل مغامرة جديدة لم يفصح عنها بعد، على أن يخلفه فى تقديم البرامج نوح تريفور وهو من جنوب أفريقيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved