مدارس المجتمع إلى الأمام

ملك زعلوك
ملك زعلوك

آخر تحديث: الثلاثاء 17 أبريل 2018 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

سعدت كثيرا فى الآونة الأخيرة بنتائج عدد من الأبحاث التى طبقت على نماذج فى مدارس المجتمع، ومنها نموذج «مصر الخير» بعد مرور 26 عاما من إنشاء النموذج الأصلى فى عام 1992. هذا النموذج من التمدرس الذى أنشئ بغرض الوفاء بحقوق جميع الأطفال فى تعليم جيد، وخاصة الأطفال فى المناطق المحرومة من الخدمات، هؤلاء الأطفال الذين لم يحالفهم الحظ فى وجود فرص للتعليم وخاصة البنات القاطنات فى مناطق ريفية نائية وبعيدة تماما يصعب الوصول إليها بالخدمة المدرسية التقليدية المكونة من صفوف متعددة. فهذه المجتمعات المتناثرة لديها كثافات سكانية بسيطة، والأطفال فى سن التمدرس هناك لا يزيدون على خمسين طفلا أو أكثر قليلا فى كل نجع. ولكن الأعداد الإجمالية قد تصل إلى مليون طفل.
أما عن البنات فى تلك المجتمعات والنجوع فتواجهن صعابا وتحديات عدة تمنعهن من نيل أبسط حقوقهن فى التعليم، إذ يواجهن موانع اقتصادية وأخرى اجتماعية وثقافية.
وإيمانا بحقوق جميع الأطفال فى التعليم وحرصا على تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية والانصاف ــ وهم جوهر التنمية – فقد كان لى الشرف العظيم فى قيادة هذه المسيرة والتى أصبحت حركة مجتمعية منذ عام 1992 حتى عام 2005 من خلال شراكة واسعة لعبت وزارة التربية والتعليم دورا محوريا فيها بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة UNICEF ومنظمة الغذاء العالمية WFP (World Food Program)، وجهات حكومية مصرية، وكليات التربية والجمعيات الأهلية، والتى لعبت وما زالت تلعب دورا فعالا، والمجتمعات المحلية وكذلك بعض الجهات المانحة على رأسها الهيئة الكندية CIDA.
وقد استمرت علاقتى بهذه الحركة حتى الآن من خلال عدد من الجمعيات الأهلية وهيئات حكومية وعلى رأسها المجلس القومى للطفولة والأمومة تحت قيادة الوزيرة مشيرة خطاب والتى شرفت بالتعاون معها فى مسيرة تعليم الفتيات، المبادرة التى بنيت على مدارس المجتمع ونالت إعجاب العالم وذلك وفق الوثائق الدولية.
***
ومن أجل الإنصاف والارتقاء بجودة التعليم اعتنق نموذج مدارس المجتمع عددا من المبادئ المهمة جدا، أولا: بناء شراكات واسعة بين الجهات المعنية ووضع وزارة التربية والتعليم فى الصدارة حتى تتمكن هذه المدارس من الاستمرارية، ثانيا: الحرص على توصيل الخدمة التعليمية إلى المجتمعات المحلية المحرومة والبعيدة والاهتمام بجودة التعليم واعتناق أحدث الطرق والنظريات التربوية، ثالثا: توعية المجتمعات المحلية عن أهمية التعليم وخاصة للبنات وتشجيعهن على الالتحاق، رابعا: إشراك الأهالى فى تعليم أولادهم وإدارة مدارسهم، خامسا: الاهتمام بالقيم والنمو الشامل لشخصية المتعلم كجزء أصيل من الارتقاء بجودة التعليم وكمبادرة واعية لتجنب المؤثرات الاجتماعية والبيئية السلبية نتيجة للحرمان.
ولقد نجح عدد كبير من هؤلاء الأطفال فى إحداث حراك اجتماعى مبهر إذ خرجوا من سياق ظلامى إلى مستقبل مضىء. فمن هؤلاء أطباء ومهندسون وأصحاب مهن حرة وغالبية منهم فضل مهنة التدريس لرد الجميل والالتزام بالولاء لمجتمعاتهم.
لقد تم تقييم مدارس المجتمع مرات عدة منذ عام 1993 حتى الآن، حتى إن الدراسات التقييمية قد وصل عددها إلى 13 دراسة، البعض منها دولى والبعض الآخر إقليمى، بالإضافة إلى التقييم الحكومى وذلك إلى جانب عدد من الأبحاث من قبل طلبة الدراسات العليا.
وفيما عدا دراسة واحدة تمت على نموذج تحت إدارة جمعية «كير» CARE Int. فكانت جميع التقييمات إيجابية. وتناولت معظم الدراسات الجوانب التحصيلية للأطفال وقدرتهم على الاستمرار فى التعليم وكذلك اكتسابهم مهارات حياتية هامة تمثل كثيرا من مهارات القرن الحادى والعشرين 21st Century Skills.
كما قامت الدراسات بقياس نمو الشخصية والقيم وأداء العاملين بالنموذج وقدراتهم على الأداء المتميز ومن ضمن العناصر التى تمت دراستها تأثير هذا النموذج على وضع الفتيات والإناث العاملات فى المبادرة. والعنصر الأهم التى حرصت معظم الدراسات على تقييمه وإبرازه هو عنصر «التمكين» Empowerment – أى قدرة الأطفال على التعلم الذاتى وأخذ زمام ومسئولية تعلمهم بين أيديهم ثم قدرة الميسرات / المعلمات على الارتقاء بأدائهم وتنمية مهنيتهم بشكل مستمر، وكذلك قدرة المجتمعات المحلية على المشاركة فى إيجاد حلول لأوضاعهم الصعبة، وأخيرا قدرة المنظمات غير الحكومية على مشاركة الدولة فى تطبيق نموذج تعليم قائم على الاحترام والمشاركة والتمكين.
***
تقود جمعية «مصر الخير» منذ عام 2007 ما يزيد على 20% من إجمالى المدارس التى تقع تحت إدارة التعليم المجتمعى فى وزارة التربية والتعليم فى مصر والتى وصلت الآن أعداد هذه المدارس فى إجمالها إلى 5018 مدرسة فى عام 2015 وعدد الأطفال الملتحقين 106,781 ووفق التقديرات المتاحة لدى العديد من المنظمات الدولية والجهات الرسمية فعدد الأطفال وخاصة الفتيات بحاجة إلى هذا النوع من التمدرس وهو ما يزيد على نصف مليون طفل حاليا، وهذا العدد يزداد باطراد مع النمو السكانى.
تم تطبيق دراستين فى السنة الماضية على مدارس المجتمع التى تنفذها جمعية «مصر الخير» حاليا فى عدد من المحافظات فى مصر ومنها بنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان والأقصر والفيوم ومرسى مطروح وكفر الشيخ. يتم هذا باستخدام الأسلوب العلمى فى انتقاء عينات محتملة، وكذلك من خلال أدوات بحثية مقننة ثم الوقوف على العناصر الحاكمة من النموذج وبخاصة عنصر التمكين بغرض مساندة الجمعية على تحقيق مزيد من النجاح ودعمها على تطوير نموذج مدارس المجتمع. وقد تبين من خلال الدراستين أن أسلوب إدارة المشروع وكذلك تناول أهم عنصر فى نجاح المنظومة أى تدريب الميسرات المعلمات يتم بنجاح، وتستمر هذه المدارس فى امتلاك أفضل النماذج التعليمية والمتمثلة فى التعليم المتمحور حول الطفل، والتعلم النشط والاستمتاع بالتعليم وتنمية مهارات وقدرات الأطفال وتنمية شخصية الطفل، وكذا المعلمة والميسرة بحيث يمكن أن نفتخر بأن لدينا «نموذجا مصريا»، لجودة التعليم قد يحتاج إلى بعض التطوير فى الجوانب التكنولوجية وفى إتقان اللغات الأجنبية كما يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والإمكانيات حتى تستطيع الدولة أن تتوسع فى هذا النوع من التعليم الذى أثبت نجاحه وأثبت قدرته على حل مشكلات واقعية فى مجتمعنا الحبيب.
ويجب أن يتم التوسع أفقيا ورأسيا إذ إن حل الأزمة التعليمية فى الريف والحضر على السواء يكمن فى إيجاد نماذج من المدارس الصغيرة التى يشارك فى إنشائها وإدارتها المجتمعات المحلية المحيطة إذ تعتبر هذه الشراكة المجتمعية من أهم مكونات الجودة والنجاح فى التعليم.

الاقتباس

وتستمر هذه المدارس فى امتلاك أفضل النماذج التعليمية والمتمثلة فى التعليم المتمحور حول الطفل، والتعلم النشط والاستمتاع بالتعليم وتنمية مهارات وقدرات الأطفال وتنمية شخصية الطفل وكذا المعلمة والميسرة، بحيث يمكن أن نفتخر بأن لدينا «نموذجا مصريا» لجودة التعليم قد يحتاج إلى بعض التطوير فى الجوانب التكنولوجية وفى إتقان اللغات الأجنبية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved