تداعيات الهجوم السيبرانى على المفاعل الإيرانى

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: السبت 17 أبريل 2021 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

الإضرار بالدائرة الكهربائية التى تتحكم فى كل شيء داخل المنشأة يؤثر على طريقة عملها. وبحسب طبيعة المنشأة تأتى الأضرار. فلو أن المنشأة التى استهدفها الهجوم السيبرانى محطة تسييل غاز طبيعى فإن انقطاع التيار الكهربائى قد يؤدى إلى التسريب والذى بدوره يؤدى إلى حرائق أو لا قدر الله انفجارات. أما فى حال أن المنشأة سد ضخم للمياه، فإن تعطل الدائرة الكهربائية قد يؤدى إلى خلل فى عمل التوربينات أو بوابات فتح وغلق المياه، أو حتى جسم المنشأة نفسه. أما فى حالة المفاعل نطنز فتوجد عشر ملاحظات قد تجيب عن السؤال، ما إذا كان مفاعل نطنز تعرض لهجوم سيبرانى أم لا.
الأولى، معظم الناس تقصد بالهجوم السيبرانى «السطو على المعلومات»، ولكن هجوم فيروس ستوكسنت (Stuxnet) عام 2010 على منشأة نطنز النووية أبرز طبيعة هجومية تدميرية مختلفة للهجمات السيبرانية. وتشير بعض التحليلات إلى احتمال استعمال «فلاشة» (USB) لتسريب الفيروس إلى أجهزة المفاعل.
الثانية، تعرض مفاعل نطنز للهجوم فى صيف عام 2020 من مجموعة أطلقت على نفسها «نمور الوطن» حيث أعلنت مسئوليتها عن التفجير الذى حدث فى الموقع، بالقرب من مدينة أصفهان بوسط إيران. مما يعنى أن هناك مجموعة غاضبة تتحرك على الأرض وتشعل النيران داخل إيران.
الثالثة، الهجوم الحالى على مفاعل نطنز جاء بعد ساعات من تدشين إيران لأجهزة طرد مركزى جديدة فى منشأة نطنز، التى تعتبر منشأة رئيسية لبرنامج تخصيب اليورانيوم فى البلاد، وذلك فى حفل بث على الهواء مباشرة على التلفزيون الرسمى. ثم بعدها وقع الهجوم وهو ما يحرج الأمن ويسلب الشعور بالأمان، وينعكس سلبا على المفاوض الإيرانى الذى يعود لطاولة المفاوضات مع الدول الكبرى.
الرابعة، الهجوم السيبرانى ذات طبيعة خاصة، فهو هجوم غير مرئى وغير محسوس، ولا يحدث ضجيجا. وأثناء الهجوم، يعطى الفيروس إشارة مزيفة إلى نظام التحكم الإلكترونى بأن كل شيء على ما يرام ويسير بصورة طبيعية، ثم فجأة يحدث الخلل، أو تقع الكارثة.
الخامسة، قد يكون أثر الهجوم السيبرانى مجرد تغطية لمن يعمل على الأرض، بينما الضرر الحقيقى يحدث عن طريق متسلل أو عميل لجهة معادية. وقد يكون العكس هو الصحيح. فالجهة التى تقف وراء الهجمات ستحاول التمويه. ولو كانت نفس الجهة هى التى وصلت لمفاعل نطنز فى كل مرة، فإن هذا يعنى فشل منظومة الأمن الإيرانية.
السادسة، استثمرت إيران بطريقة كبيرة فى تأمين منشآتها النووية لاسيما ضد الهجمات السيبرانية، وبالرغم من ذلك تتكرر الهجمات التى تستهدف نفس المفاعل. الملفت هذه المرة أن الدولة نفسها غير قادرة على تحديد ما الذى جرى بالضبط. هل كان هجوما سيبرانيا، أم تسللا وعمالة من الداخل، أم خليطا من الاثنين. وفى كل مرة تتهم إيران إسرائيل، بدون أن يحمل ذلك أى تبعات أو رد فعل.
السابعة، تسبب الهجوم على مفاعل نطنز فى انقطاع التيار الكهربائى عن أجهزة الطرد المركزى الضرورية لإنتاج اليورانيوم المخصب. وبالطبع يوجد مولدات بديلة تعمل بصورة فورية. ولكن الوقت بين انفصال التيار الرئيسى وتشغيل المولدات، هو وقت «الضرر». فأجهزة الطرد المركزى هى آلات رفيعة مرتبطة فيما يسمى بالشلالات التى تثرى غاز اليورانيوم عن طريق تدويره بسرعات عالية. وأى خلل فى العملية قد يتسبب فى تحطم بعض الأجهزة أو كلها. ولم تفصح إيران عن حجم الضرر الذى لحق بالمفاعل. وبعض التقديرات الأمريكية تشير لحاجة إيران لشهور لإصلاح الضرر.
الثامنة، التسريبات فى الصحافة الإسرائيلية تشير إلى الوحدة 8200 فى جيش الاحتلال الإسرائيلى، على أنها تقف وراء انهيار شبكة توزيع الطاقة فى منشأة نطنز النووية. فهذه الوحدة شاركت فى هجوم سابق على المنشأة دمر مركز تجميع أجهزة الطرد المركزى عام 2016. كما تشير التسريبات لارتباط الوحدة بالهجمات على المنشأة فى صيف 2020.
التاسعة، إسرائيل لا تنقصها الإرادة السياسية لاستهداف وضرب إيران، كما أنها لا تخشى من سلسلة عقوبات دولية تستهدفها فى حال تبين أنها بالفعل تقف وراء الهجمات. ولكن ما يعطل إسرائيل عن الهجمات هو الردع المتبادل. فإسرائيل على يقين بأن الاستهداف العسكرى المباشر سيفتح باب رد الفعل المباشر، مما قد يحملها بخسائر بشرية لا تستطيع قبولها. لذلك الخيار الأفضل هو السيبرانى.
العاشرة، إسرائيل فتحت تحقيقا فى التسريبات التى وصلت للصحافة الإسرائيلية، بعد استياء وزير الدفاع الإسرائيلى من خروج كمٍّ هائل من المعلومات عن طريق الصحافة الإسرائيلية. ولذلك فتحت تحقيقا فى التسريبات، بدون أن تنفى أو تؤكد صحة التسريبات «كالعادة». لكن الأمر مرتبط بالداخل الإسرائيلى أكثر من إيران. فهدف وزير الدفاع هو إحراج رئيس الوزراء حيث معظم التسريبات للصحافة جاءت من دائرته المقربة. بمعنى آخر، تصفية الحسابات السياسية داخل إسرائيل بغرض تشكيل الحكومة هى المحرك وراء التسريبات.

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved