كثير من الجهل وبعض من النفاق

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 17 أبريل 2022 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

فيما الخطاب على أنه شهر صيام وخشوع وطاعة وتعبد، يبدو الحال اليومى للبشر كعادته كل رمضان بعيدا عن كل هذه الصفات والتصرفات. كثيرون يسهرون الليل مسمرين أمام التلفاز ببطون مصابة بالتخمة من كثرة الطعام الذى تم حشوه فى الأمعاء وكثير غيره مصيره إلى مكبات الزبالة. وصائمون آخرون يتأخرون عن مواعيد عملهم أو ينهونها سريعا، وتكثر الألفاظ البذيئة فى الشوارع المكتظة فيما تسرع العربات مخالفة لكل تعليمات السلامة والأمن وحتى الأخلاق.. فيما يردد الجميع عند سؤاله «اللهم إنى صائم».
• • •
عندما نهر ذاك الموظف الزوار القادمين فى تلك الدائرة الحيوية والذين اصطفوا منذ الصباح الأول، وطالبه الجميع باحترام القادمين لقضاء حاجاتهم عاد ليردد تلك الحجة الباهتة «اللهم إنى صائم» حتى تمتم الحضور بكلمات غير واضحة ولكنها حتما تعنى وهل يعنى الصيام أن تقوم بالصراخ فى وجه البشر الذين لك ثواب كبير فى تقديم الخدمات لهم.
• • •
عندما اصطف الكثيرون أمام الفرن لأخذ حصتهم من الخبز أو العيش الساخن الذى أصبح عملة فى بورصة القمح بعد حرب أوكرانيا، حدثت مشاجرة بين شابين كادت تتحول من التلاسن إلى الضرب باليد والركل بالرجل وسلسلة لا تتوقف من السباب والشتائم البغيضة.. وهم يعيدون تكرار «اللهم إنى صائم»!!!
• • •
تلتقى الأسر والعائلات حول موائد الإفطار أو السحور وفى ذلك أمر جميل ومحبب إلا إذا شاب الحديث كثير من النيل من أشخاص آخرين وعدم الإحساس بمن هم أقل قدرة على إطعام أطفالهم وعوائلهم.. أتذكر ونحن صغار كان الدافع للصيام حسب قول أهلنا ومدرساتنا الفاضلات هو الإحساس بالآخر، أى الأقل قدرة على توفير احتياجات أسرهم من الطعام والملبس والإحساس بالجائعين ليس فقط من المسلمين بل ومن كل البشر.. كم جميل أن تكون الدروس والتعاليم إنسانية وغير مرتبطة بالتهديد والوعيد وبئس المصير وجهنم الحمراء!!!.
• • •
تعرف أن الصيام هو من أجل الإحساس بالآخر وليس من أجل التفاخر والإكثار من الأكل الذى يساهم الإعلام وخاصة التلفاز فى الإعلانات المليئة بالطعام والشراب وما بينهما. تبرز تلك الصور من التعاليم الأولى وأنت تستمع لها، لتلك الشابة المكافحة العاملة فى إحدى الفنادق وهى تقول طلبت من ابنى بالأمس أن يذهب إلى الخضار لإحضار خسة واحدة وخيارة واحدة وأربع حبات من الطماطم لأعمل صحن فتوش على مائدة إفطار عائلتى المكونة من زوجين وثلاثة أطفال.. هى أيضا تغص عندما تكون الوجبة التى يقدمها هذا الفندق ذو النجوم الخمسة لهم أى لموظفيه، واسألها «لماذا؟» تقول «لأنهم يطعمونى لحمة لم أعد أستطيع أن أحضرها لأطفالى حتى فى شهر الصيام».
• • •
فى الماضى كانت موائد الإفطار غنية ولكنها ليست مسرفة وليالى رمضان مليئة بالفرح ولكن ليست بالمسلسلات والإعلانات المليئة بالبذخ والإسراف وسوء الأخلاق والعنف اللفظى والجسدى.. يقول البعض كما تحولت كل المناسبات الدينية إلى مجال للتسويق وترويج البضائع والمظاهر وفرغت من محتوياتها الأخلاقية والإنسانية والمفاهيمية، هكذا أصبح رمضان مشابها للكرنفالات الاحتفالية المليئة بما يغرى على الاستهلاك أكثر وأكثر وأكثر.
• • •
إعلانات هنا ومسلسلات هناك وطعام كثير فى واجهات الدكاكين وكميات كبيرة من الشراب والعصائر وأرصفة مكتظة بما لذ وطاب يصطف أمامها الكثيرون قبل الإفطار بقليل ويقلبون البضائع باحثين عن الأسعار ثم ما يلبثون وأن يرجعوها إلى مكانها فالأسعار نار حامية أشد سطوة من نار جهنم التى هى موضوع خطب كثير من رجال الدين الملتحين ذوى الوجوه المكفهرة والغاضبة حتى فى هذا الشهر الفضيل الرحيم!
• • •
فى كل رمضان تزداد مشاهده التى ارتبطت به مع كثرة هذه التوجهات المادية والابتعاد عن عمق الفهم للدين الأصلى بل ما هو سوى قشور تنطق بها أفواه شبه جهلة أو أصحاب عقول مغلقة والباحثين عن الطريق السريع للوصول إلى الله والجنة رغم أن طريقه أكثر رحمة وأبسط من كل هذا الكم من النفاق والجهل الدينى وتكرار الأسئلة البلهاء مثل «هل تنظيف الأسنان يفطر الصائم»، رغم أنهم يعرفون أن دينهم أوصاهم بالنظافة أوليس الوضوء خمس مرات باليوم شكل منه؟؟ ربما هم ضحايا لقراءات وتفسيرات تنبع من أفواه جهلة تزاحموا فى تمثيل أدوار على محطات التلفزة تشبه فى كلها أو بعضها ما يدور فى التمثيليات الممجوجة كثيرة البغض والعنف فيما طريق الله والجنة أكثر بساطة وحبا ورحمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved