دعاء أعرابي في ليلة القدر
يوسف الحسن
آخر تحديث:
الإثنين 17 أبريل 2023 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
سمعت أعرابيا، يدعو ربه فى ليلة القدر، أن يُملِّكه أمر العرب ثلاثة أيام فقط. فقمت إليه أسأله، إن رأى، أن يُمنّ علىّ بتفسير ما دعا، وتفصيل ما أجمل، وما هو بفاعل فى هذه الأيام الثلاثة إذا ما تولى أمر الأمة العربية. فقال: قرأت فصلا من تاريخ العرب، فى زمن التتار والمغول، حينما كان الأب يوشى بولده طلبا للسلامة، وحينما كان السيَّاف يقطع رءوس الناس المصطفين أمامه فى طابور طويل، وحينما يتعب السيَّاف، من كثرة قطع الأعناق فى نهاية النهار، ينام أفراد «الطابور» فى انتظار السيَّاف فى صباح الغد ولا يهربون. وحينما سألته: «ويحك يا ابن العم»، وما منعهم من الهرب؟ قال: إنه الخوف يا أخا العرب. الخوف، الخوف. وأضاف: «أعلم أن «حالتكم» كعرب فى هذه الأزمنة، أفضل من «حالتكم» فى زمن المغول والتتار، فأنتم اليوم تملكون «ثلثى المرجلة» كما يقول أهل الشام، وتهربون من مواجهة أزماتكم، وتتقدمون إلى الخلف، وصابرون على الحروب والنزاعات والهوان، لكنكم لم تصلوا إلى القاع، كما كان أجدادكم فى زمن التتار والمغول ولم تَفِرّوا كما يفر العصفور، والذى سُمىّ عصفورا من كثرة الخوف لأنه «عصى وفَرّ».
عدت إلى سؤال الأعرابى، عما هو بفاعل فى الأيام الثلاثة، التى دعا ربه أن يُمِّلكه فيها أمور عرب اليوم، فقال: فى اليوم الأول، أحشر جميع الشُطَّار و«الفهلوية» والزغار، من سماسرة و«لوتية»، ولصوص الأموال، والفاسدين والمُفسدِين، والساسة الكذَبَة، والمنافقين من الكتَّاب وفى المجالس والمنتديات، ومن هو بخيل لا ينفع الناس، وأَكول لا يشبع، ومن هو ذئب لا يفترس حقوق الناس إلاَّ وهم بين الركوع والسجود، ولا يغش الأوطان إلا وهى فى محنة أو فتنة أو قحط أو وباء، وكل من أظهر ورعه سترا لطمعه فى اكتساب إعجاب الناس، ومن جمع ثروة فى تجارة الحروب، أو باستغلال منصبه أو بالحيلة وشره التملك، ومن جمع مالا من البلاد ولم يُعمِّر فيها مدرسة أو دار شفاء أو وقفا للبحوث والعلوم أو عمل الخير. وسأطلب منهم ومن أمثالهم أن يوافونى جميعا عند غروب الشمس، كل واحد منهم على حمار ووجهه إلى الخلف، فإذا ما حضروا من داخل الوطن العربى وخارجه، فى ساحة محددة فى كل بلد عربى، جعلت لحية وشارب كل واحد منهم مصرورة فى جيبه، ومعهما ورقة مكتوب فيها بلغة عربية، وبترجمة إنجليزية وفرنسية (خاصة لمن قطن لبنان وفرانكوفونيات عربية أخرى)، «اعلم يا كيت وكيت.. ويا أسوأ من لا شىء وأسخم من دخان النفط.. ومن رائحة صنان الإبط والثوم، أن شر الناس من يأكل حقوق الناس، ويهدر كرامتهم، وأشر من ذلك من يكذب عليهم، ويمزق أوطانه طمعا فى كرسى، ولا يأمن وطن من شره وأفعاله». ثم آمر بمصادرة أمواله، ووضعها لعمران البلاد وخير العباد، وإلا فإن بقية عمره سيقضيها فى «صفع» وكسر لأضراسه بدون خلع.
وفى اليوم الثانى، أحشر فى سجون مشهورة بالقسوة وتشبه سجن قلعة «الجلالى» بمسقط فى زمن مضى، أو سجن «أبو غريب» الأمريكى فى العراق، كل أفَّاق ومنافق، وكل من نام حتى العصر فى رمضان، وكل من أكل حتى انتفخ به البطن، واستغاثت منه المعدة، وتقوست عنده الأضلاع والسيقان، وكل من إذا حُدّث على مائدة الفطور أو السحور، فلم يزد جوابه على نعم أو نعمين، وبلع من الطعام حتى كاد أن ينفلق إلى نصين، وكل من نسى أن حق العربى على العربى، فى دول عانت الزلازل والوباء والحروب والفتنة وفساد الحكم والساسة، والغلاء والحاجة والفقر وشح الماء والكهرباء والدواء والغذاء والعدل، ألا يشبع وآخر يجوع، وألا يلبس وآخر يعرى، وألا يأمن وآخر خائف.
وفى اليوم الثالث: أجلب كل من أسهم فى ثقب طبقة الأوزون، وتسبب فى خراب البيئة، وكل من أنتج أو أخرج أو ألفَّ مسلسلا تلفزيونيا ضارا بالأخلاق والصحة النفسية، وزوَّر التاريخ، وأفسد الذائقة، وكل من استعان بأصحاب التصريحات المتناقضة والخطابات المزدوجة فى السياسة والاقتصاد والتواصل الاجتماعى، وكل من اعتمد على «شخير» المثقفين، و«تعسيلة» النقابات المهنية وجمعيات المجتمع المدنى والأحزاب العربية للخروج من المحنة وهذا الكرب، وكل من يحرق أعصاب العرب البسطاء، ويفجّر مراراتهم. وسأجمع كل هؤلاء مع اللصوص و«الطرارين»، وكل من يُبدّل فكره فى الفصول والميادين، ويغير نعليه فى المسجد، ويشرب من كل الفناجين، وسأجمعهم فى ميادين سميت بـ«التحرير» فى أكثر من بلد وأطعم الجميع دجاجا فاسدا وكل طعام يوِّلد النقرس والبواسير، وأمنعهم عن شرب القهوة والشاى، حتى لا يقوى أحدهم على حمل نواة تمرة، ولا يعرف إعراب جملة مثل «ضرب زيد عمرا».
قلت للأعرابى، بعد أن أسرنى دعاؤه، واستغربت، أو قل استحسنت أفكاره، وربما صدَّقت روايته، «يا أخا العرب، أخشى أن يكون قلبك قاسيا عند الدعاء، ولا أدرى السبب فى أن زيدا يضرب عمرا دائما». تركت صاحبنا الأعرابى يكمل أدعيته، ورحت أسأل الله، سبحانه، العفو والعافية والمعافاة الدائمة فى الدين والدنيا والآخرة، وأن يصلح ذات بيننا ويؤلف بين قلوبنا، ويفرِّج همومنا، ويحفظ أمتنا ويجيرها من الفتن والمعتدين.