إيلون ماسك.. الملياردير الذى يهدد مستقبل الديمقراطية
مواقع عربية
آخر تحديث:
الخميس 17 أبريل 2025 - 6:30 م
بتوقيت القاهرة
بات من المقرر أن يغادر أثرى رجل فى العالم موقعه داخل الحكومة الأمريكية، وفق ما أعلنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. السبب المعلن هو تفرغ ماسك لإدارة شركاته التى تشهد أسهمها تراجعًا كبيرًا، بفعل سياسات إدارة ترامب، بينما برزت مؤخرًا خلافات بين ماسك ومسئولين فى إدارة الرئيس، لكن الأمر وإن حصل، لن يعنى ابتعاد أثرى رجل فى العالم عن موقع النفوذ الأول، ولا تراجع خطره على البشرية أجمع.
يكفى مراقبة أداء ماسك وخطابه وتصرفاته، ومحاولة استشراف ما ستئول إليه الأمور فى حال زادت سلطته، للقول إنه بات الملياردير الأخطر. إذ صار الرجل الذى يتفاخر بفكره اليمينى، يجمع فى آنٍ قوة اقتصادية هائلة بأخرى حكومية، تضاف إليهما قوة إعلامية وأخرى تكنولوجية تطمح للتحكم بالعقل، وزيادة على هذه السلطات كلها، سلطة فى مجال الفضاء، وهكذا أصبح بإمكان رجل واحد التأثير بمصائر البشر كلهم.
اليوم يضع ماسك يديه على موازنة الحكومة الفيدرالية، التى تمنح شركاته عقودا بمليارات الدولارات، والأخطر أنه وضع يضعه عبر منصبه، على كم هائل من البيانات التى يمكنه استخدامها لمآربه الخاصة.
ويسعى الأثرى فى العالم، للاستحصال على المزيد وتوسعة إمبراطوريته، وإن كان ذلك يدخل فى إطار الطموح، غير أنه ينذر بتعاظم خطر الناطق باسم اليمين المتطرف حول العالم، فى حال نجح فى احتكار الشركات الأكثر تأثيرًا، مثل «تيك توك» و«أوبن إى آى» المالكة لـ «تشات جى بى تى»، وهو ما يطمح إليه.
• • •
قبل سنوات أظهرت استطلاعات رأى، أن الشباب باتوا يعتمدون على «تويتر» للاطلاع على الأخبار، كما تحدثت تقارير عن القدرة على التأثير عبر المنصة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واتهمت جهات خارجية باستخدامها للتأثير على الناخبين. دفع ذلك بالملياردير للاستحصال على «تويتر»، لم يكتفِ ماسك بشراء المنصة وتغيير اسمها إلى «إكس»، بل غير سياساتها بشكل كبير نحو الأسوأ، فازداد خطاب الكراهية، وانتشار الأخبار الكاذبة، وصارت المنصة أكثر تسامحًا مع العنف اللفظى والادعاءات الكاذبة.
وعبر «إكس» راح ماسك ينشر بنفسه خطابه اليمينى المتطرف المعادى للكثير من الفئات، مستغلاً صورته كنموذج للنجاح، وراح يحاول التدخل فى سياسات الدول، والتأثير على استفتاءاتها، ونشر الأخبار الكاذبة.
وعبر المنصة أيضًا، لعب ماسك دورًا فى عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قبل أن يكافأ بتسليمه «وزارة الكفاء».
قبيل الانتخابات استضاف صاحب المنصة المرشح الرئاسى، وأجرى حوارًا جارى فيه ضيفه من دون أن تستوقفه أى من الادعاءات الكاذبة، وهو ما كان محط انتقادات فى الإعلام.
يشكل ترامب ــ ماسك ثنائيًا يعمل على تطبيع العنف، والخطاب اليمينى المتطرف حول العالم، ويسعى الرجلان لتدمير أفضل ما فى القيم الأوروبية، والدفع باتجاه صعود اليمين المتطرف هناك، كما فى العالم كله.
فترامب يريد دولاً أوروبية مفككة ضعيفة خاضعة للولايات المتحدة، وماسك يريد أن تتراجع سلطة الحكومات، بما يوفر لشركاته مجالاً للعمل من دون ضوابط، حيث تفرض القوانين الأوروبية ضوابط تحمى المستهلكين، بينما يسعى ماسك لهدمها كى يبنى إمبراطوريته على أنقاضها، وعلى حساب مكتسبات الشعوب، لتحكم ديكتاتورية أصحاب الشركات. هؤلاء يفضل الكثير منهم عدم التصادم مع السلطات؛ كما يفعل ماسك، ويمارسون نفوذهم بشكل أقل فظاظة.
• • •
مع ترامب دخل ماسك إلى البيت الأبيض، فى احتفال التنصيب، ضرب تحية نازية تم التعاطى معها بتسامح غير معهود. فى وزارة الكفاءة التى تمتلك صلاحية لمراقبة باقى الوزارات والوكالات، عمل ماسك على تقليص الإنفاق، ما انعكس سلبًا على فئات هى الأضعف فى العالم. فمثلا حذرت مؤخرًا منظمات تعمل على مكافحة سوء التغذية لدى ملايين الأطفال، من «كارثة» ستؤدى إلى «قتل أطفال»، بعد أن أوقفت الإدارة الأمريكية برنامج التنمية، وهو برنامج يتفاخر ماسك بمواجهته. كذلك هدد ماسك الموظفين فى الحكومة الفيدرالية بالطرد، إن لم يردوا على بريد أرسله، فى تصرف أثار جدلا، وأظهر قدرته على التعسف مع موظفين فى مؤسساته الخاصة.
إذا، وضعت فى يد ماسك صلاحية الحد من الإنفاق، على الرغم من تضارب المصالح، هو الذى تتلقى شركاته مبالغ طائلة لقاء عقود من الحكومة الفدرالية. مثلا، منح الرجل الذى يملك شركة خاصة تعمل فى الفضاء، وتملك عقودًا مع السلطة الفدرالية القدرة على التأثير على موازنة الناسا، التى من مصلحته إضعافها لصالح تقوية شركته.
ويعتبر ماسك الفاعل الخاص الوحيد المنافس للفاعلين الكبار فى مجال الفضاء، ويمكن لأعماله الخاصة وقراراته المزاجية، أن تشكل توترات دولية تؤثر على ملايين البشر. ففى العام 2021 اتهمت الصين شركة ماسك بتشكيل خطر على حياة روادها الفضائيين، وقالت إن الأقمار الصناعية التابعة لـ«سبايس إكس» اقتربت نحو محطة الفضاء الصينية، وأكدت الصين أن محطتها اتخذت إجراءات طارئة لتجنب حادث اصطدام، وقدمت شكوى ضد الولايات المتحدة بتهمة تشكيل خطر على روادها.
ويشكل دخول المليارديرات إلى سباق الفضاء، تحديا إضافيا يجعل من الصعب الاتفاق على الالتزام بقواعد تضبط النشاط الفضائى مستقبلا، مع ما قد يسببه ذلك من صراعات إضافية تدفع الشعوب أثمانها.
• • •
عبر الفضاء أيضا يوسع ماسك استثماراته، ويستكمل مشروع «ستارلينك»، أحد المشاريع القليلة التى تقدم خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية بسرعات مقبولة، وهو ما يزيد من نفوذ ماسك، ومن قدرته على التأثير فى الأحداث ومصائر الشعوب. فالرجل يسيطر على البنية التحتية للإنترنت «البديل»، ومع الاستمرار فى توسعة مشروعه قد يتحول «ستارلينك» إلى احتكار، خصوصا فى المناطق التى ينقطع عنها الإنترنت، ما يمنح ماسك قدرة أكبر على الضغط والتأثير فى السياسات، خصوصا فى المناطق التى تعتمد على خدمته.
شركة أخرى يملكها الملياردير المتفلت من الضوابط الأخلاقية، وهى «نورولينك». يظهر وصف المشروع أنه يفتح أفقًا طبيًا قد ينقل البشرية إلى مكان أفضل، ويزيل معاناة المصابين بالشلل، وغيره من الأمراض المرتبطة بعمل الدماغ. إذ يعمل المشروع على أنظمة تتيح ربط الدماغ البشرى بالأجهزة الإلكترونية مثل الحواسيب أو الأطراف الصناعية، عبر شريحة إلكترونية تزرع داخل الجمجمة، لكن من المرجح ألا يقتصر المشروع، الذى ما يزال فى مراحله التجريبية، على الأهداف الطبية، وأن ينحو باتجاه محاولة التحكم بالدماغ والسيطرة على البشر.
كما يحاول ماسك توسيع إمبراطوريته والهيمنة على الشركات الناجحة، لكن طموحه يصطدم بمصالح أصحابها، وإدراكهم لما قد يفوتهم فى حال تخلوا عنها، حيث عرض ماسك شراء «أوبن إى أى» التى كان أحد مؤسسيها، مقابل 97,4 مليار دولار، أى مقابل مبلغ يفوق ربع ثروته الحالية، لكن العرض رفض.
واليوم يحاول ترامب حث السلطات الصينية على الدفع باتجاه بيع تطبيق «تيك توك»، الأكثر انتشارا، إلى شركة أمريكية، ويصر على ذلك. وكان قد صرح فى يناير الماضى أنه منفتح على شراء ماسك للتطبيق، الذى أشار لاحقًا إلى أنه غير مهتم بذلك. بينما يستمر ترامب بالضغط على الصين، وتقديم عروضه كى ينتقل التطبيق إلى أمريكا وتديره يد أمريكية. يشار إلى أن تقارير إعلامية ذكرت أن ماسك ساهم فى تليين موقف ترامب من استخدام «تيك توك» فى الولايات المتحدة، وتأجيل تطبيق قرار حظره.
وعلى الرغم من تراجع أسهم شركة صناعة السيارات «تسلا» التى يملكها، غير أن ماسك يظل فى موقع القوة، حتى وإن انهارت الأسواق كما يحذر البعض، ويظل الأقدر على الاستفادة من الانهيار. فهو الملياردير الذى يسيطر على إحدى أكبر المنصات التى توزع الأخبار حول العالم، وعلى شركة تتوسع فى الفضاء، وأخرى تعمل على التحكم بالدماغ البشرى، وثالثة تكاد تحتكر توزيع الإنترنت عبر الفضاء، وأخرى للذكاء الصناعى وغيرها، وهو الأقدر على الشراء والبيع.
يبقى الخوف من السلطات الكبيرة التى يتمتع بها أثرى رجل مشروعًا بل وواجبًا. فهى سلطات عظيمة تتوحد فى شخصية يمينية متطرفة، تدفع الناس باتجاه التطرف، وعدم الخجل بفاشيتها لتقوى على حساب مصالحهم، وإذا كانت سلطة الحكومات المفرطة تشكل خطرًا على الناس، فكيف بسلطة ملياردير يمينى يحاول بناء إمبراطورية تتحكم بمصير البشرية، بينما تتردد الحكومات أمامه؟
مريم سيف الدين
موقع درج
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/2s4xxav5