الذين لا يتعظون من أخطائهم!!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 17 مايو 2019 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

قبل أن يرتكب الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين خطأه القاتل ويغزو الكويت فى الثانى من أغسطس ١٩٩٠، التقى بالسفيرة الأمريكية فى بغداد إبريل جلاسبى، وسألها هل تمانع الولايات المتحدة فى دخوله إلى الكويت؟!

إجابة السفيرة كانت نموذجية فى الشر والخداع! وشديدة الغموض، لكن الرسالة التى فهمها صدام هى أن أمريكا لن تمانع إذا احتل الكويت. وبالطبع نعرف بقية الرواية!! دخل صدام واحتل الكويت فى وقت قياسى. ثم قادت أمريكا تحالفا كبيرا لإخراجه فى بدايات عام ١٩٩١، ومن يومها تعمق وترسخ الوجود الأمريكى فى المنطقة، التى لم تعرف منذ ذلك التاريخ الاستقرار الحقيقى.

للموضوعية، الأزمة لم تبدأ فى هذا الوقت، ولا يمكن أن نلقى بالشماعة على أمريكا وإسرائيل وغيرهما فقط، فى إطار نظرية المؤامرة.

قبل عشر سنوات من هذا التاريخ، بدأت حرب الثمانى سنوات بين العراق وإيران من ١٩٨٠ إلى ١٩٨٨. نظريا كان الغرب يدعم العراق لتقليص نفوذ الثورة الإيرانية، التى قامت فى الأول من فبراير ١٩٧٩، وأطاحت بشاه إيران حليف الغرب وإسرائيل، والذى كان يلقب بشرطى المنطقة.

صدام ظن أنه سيكون بديل الشاه لدى الغرب. لكن هذا الغرب ومعه إسرائيل كان هدفه الأساسى هو استنزاف إمكانيات وثروات وشباب البلدين وعموم المنطقة، فقدم الأسلحة للطرفين ونتذكر «فضيحة إيران ــ كونترا جيت» عام ١٩٨٤. نفس الغرب قدم المعلومات والبيانات الاستخبارية للطرفين عن مواقع كل جيش.

وحينما انتهت الحرب وقبل الخمينى اتفاق وقف إطلاق النار أو ما أسماه وقتها «تجرع السم»، كان قد تم القضاء على قوة وإمكانيات البلدين والمنطقة. لكن صدام ظن أنه خرج منتصرا، واندفع فى غزو الكويت، وكان ما كان!!!!

بعد هذا الغزو تم إخراج صدام بالقوة، وحصار العراق من عام ١٩٩١ وحتى عام ٢٠٠٣، حينما تم غزو البلاد وإعدام صدام، وحل الجيش العراقى، الأمر الذى كان سببا رئيسيا فى ظهور منظمات وتنظيمات عديدة، بعضها مقاومة وطنية، وبعضها تنظيمات متطرفة، تحولت لاحقا إلى النواة التى خرجت منها داعش وأمثالها، وسبَّبت أكبر إساءة للإسلام والمسلمين منذ مئات السنين.

النتيجة بعد كل هذا أن أمريكا غزت العراق، وقبلها أفغانستان فى أكتوبر ٢٠٠١ بعد تفجيرات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة، والتى نفذها تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، فدفع المسلمون ثمنها باهظا ولا يزالون يدفعون.

المفترض بعد كل هذه التجارب من عام ١٩٨٠وحتى الآن، أن يكون العرب والإيرانيون، قد وعوا وفهموا الدرس، وتوقفوا عن الوقوع فى نفس الخطأ الكارثى الذين يقعون فيه كل فترة زمنية لا تزيد على عشر سنوات!!

أليس هناك فى الجانبين من يستطيع إدراك رغبة الغرب فى دفعنا جميعا للوقوع فى نفس المصيدة؟! كلامى موجه للطرفين، وليس للخليج العربى فقط أو إيران فقط، والأخيرة ليست ملاكا كما تدعى، هى ساهمت فى هذه الكارثة حينما أصرت على الهيمنة على المنطقة من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا وأخيرا اليمن.

سلوكها لم يكن يليق بحقوق الجيرة أو الإسلام والنتيجة أن أطرافا عربية، فضلت الأحضان الصهيونية المسمومة، حتى تحميها من «الأحضان الفارسية المسمومة أيضا».

كان بإمكان الدول العربية خصوصا فى الخليج أن تتعظ من عدم تكرار نفس الأخطاء، وكان يفترض بإيران أن تدرك أن سياساتها، ستقود إلى كارثة يدفع ثمنها العرب والمسلمون جميعا، ولن يخرج فائز منها إلا إسرائيل وكل أعداء المنطقة. لكن للأسف الشديد لم يتعظ أى طرف من أخطاء الماضى البعيد والقريب.

نساق جميعا مثل النعاج إلى المذبح من دون أن نتعلم من دروس الماضى القريب. إذا وقعت الواقعة ــ لا قدر الله ــ سوف نفيق قريبا على مأساة مروعة، خلاصتها فقدان شباب وثروات وموارد وإمكانيات العرب وإيران معا، وهو ما يعنى أن نمضى عشرات السنين فى إعادة إعمار ما دمرته الحرب.

مرة أخرى: أليس هناك رجال راشدون فى هذه الأمة يمنعون تكرار نفس المأساة بحذافيرها؟!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved