تاريخ العمارة المصرية الحديثة المعتَم عليه

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأحد 17 مايو 2020 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع قنطرة عرضا للكاتبة مارسيا لينكس لكتاب محمد الشاهد «القاهرة منذ عام 1900: دليل معمارى» الذى تحدث فيه كاتبه عن عدم الاهتمام بالمشاريع الحداثية المعمارية فى القاهرة... نعرض منه ما يلى:

فى أوائلِ القرنِ التاسع عشر، كانَ عددُ سكان القاهرةِ يُقدَرُ بحدودِ 350 ألف نسمةٍ. أما فى أيامنا هذهِ عام 2020، فقد تمددت هذه الحاضرة المصرية لتستوعبَ أكثرَ من 20 مليون نسمة.
وجودُ المزيد من الناسِ لا يعنى بالضرورةِ وجودَ المزيدِ من الروائعِ المعماريةِ. وليسَ مشروعُ محمد الشاهد مجردَ وصفٍ للمنشآتِ الأكثر جمالا أو الأكثر غرابة بين منشآتِ القرنِ العشرينِ فى القاهرةِ. فكما تكتبُ مرسيدس فوليه فى مقدِمتها، إنَ مشروعَ الشاهد لا يتمحورُ حولَ مدحِ المبانى الشهيرة بل حولَ إظهارِ أنَ «المدينةَ تمتلكُ مشهدا بنائيا حديثا حقيقيا ذا قيمة فى حدِ ذاته».
وهكذا، نرى فى الكتابِ صورا وأوصافا ليست فقط عن المبانى الفريدة فى وسطِ القاهرة، أو هليوبوليس، والزمالك، بل أيضا عن تطورات الإسكان فى خمسينياتِ القرنِ الماضى فى ضاحيةِ مدينةِ نصر و«مدينة العمال» فى عام 1950 فى منطقةِ إمبابة، وهى منطقةُ طبقةٍ عاملةٍ.
لكن قبلَ أن يصلَ محمد الشاهد إلى الـ 226 منشأة التى تُشكِلُ جوهرَ كتابه، يحدِثُنا عن سببِ كثرة تجاهُلِ هذه الفترة من العمارةِ المصرية. فعلى الصعيدِ العالمى، كثيرا ما تُركِزُ السردياتُ المتعلقةُ بالحداثةِ على المشاريعِ الحداثيةِ الغربيةِ بصورةٍ حصريةٍ. أما مشاريعُ الحداثةِ الأخرى فغالبا ما تُلحَقُ بمشاريعِ الحداثةِ الغربيةِ بوصفها مشتقة أو كجزءٍ من مشروعٍ استعمارى يقودُه الغربُ.
وداخل مصر، خُفِضت قيمةُ ابتكارات القرن العشرين المعمارية فى القاهرة بشكلٍ أكبر. ويُشيرُ محمد الشاهد أنه لا يوجدُ «هيئاتٌ خاصةٌ أو حكوميةٌ مُتخصِصة تعترفُ بالمبانى الحداثية وتأرشفها وتوثِقها أو تحميها». كما أنَ هذه الفترة فى أقسامِ العمارةِ فى الجامعات المصريةِ، إما مهمشة أو محذوفة كليا.
لماذا هذا الأمرُ مهمٌ؟ لأنه، على سبيلِ المثال، يزيدُ من صعوبةِ بناء المهندسين المصريين على كاهلِ أعمال الماضى ومواجهة الأخطاء ومضاعفة حالات النجاح. وكما يشيرُ محمد الشاهد فإن ذلك يعنى وجود قلةٍ من المتخصِصين ممن لديهم اهتمام أو مهارات للحفاظِ على مبانى القرن العشرين.
وكما هو واضحٌ من الـ 226 منشأة التى يصفُها الكتابُ – والتى تمثِلُ نحو 120 عاما من التطوِر المعمارى المصرى ــ فيوجدُ الكثيرُ مما يستحقُ الحفاظ عليه. ورغمَ أن بعض المبانى فى كتاب «القاهرة منذ عام 1900» صُمِمت من قبل أوروبيين، إلا أنه، وكما يكتبُ محمد الشاهد، منذ «ثلاثينيات القرن الماضى فصاعدا، لم تكن حداثةُ القاهرة عمل خبراء أو مهندسين معماريين مستورَدين من الخارج... بل ثمرةَ خبرة محلية».
حداثةُ القاهرة لا تحدِدُها أى فلسفةٍ بعينها، سواء كانت محلية أو أجنبية. بدلا عن ذلك، فإن السمةَ المميزة لها هى أنها عبارة عن تهجينٌ انتقائى.
فى الواقعِ، سيتعثرُ القارئ الذى يتصفحُ هذا الكتاب المضغوط المكون من 400 صفحة بكمٍ هائلٍ من الأنماطِ المقترنةِ ببعضها بطرقٍ مُبتكرة. إذ يجدُ النمطَ المرح «الإسلامى الزائف» فى مبانى شركة هليوبوليس التى شُيِدت فى عام 1908؛ ومزيجَ العناصرِ من العصرِ المملوكى والفاطمى التى اجتمعت معا فى مستشفى العجوزة عام 1939، والتى صمَمها مصطفى فهمي؛ ونمط «وحشية إسلامية جديدة» الرائعِ فى مبنى عبداللطيف جميل فى الجامعةِ الأمريكية فى القاهرةِ، الذى صمَمتهُ دار الهندسةِ واكتملَ فى عام 1989.
كما يعطينا محمد الشاهد أيضا ما يمكنُ أن يكونَ أكثر وصفٍ حميمى لمبنى «المُجمع» فى ميدانِ التحرير ــ «أكبر مبنى إدارى فى الشرقِ الأوسط». إذ يُساعدنا الشاهد على الابتعادِ عن مضايقات بيروقراطيته الحالية لرؤية ما كان يقصده ربما المعماريان محمد كمال إسماعيل وفهمى مؤمن، بقنواتٍ هوائية كبيرة فى المبنى، وملامح نمط الآرت ديكو و«العناصر المجردة المستوحاة من العمارةِ الإسلاميةِ.
ظهرَ آخرُ مسحٍ شامل للعمارةِ المصريةِ فى القرن العشرين منذُ أكثرَ من 30 عاما مضت، فى عام 1989. وقد قام بتجميعه توفيق عبدالجواد، وهو معمارى ومحررٌ فى المجلةِ المصريةِ الرائدةِ «العمارة». وكما يكتبُ محمد الشاهد، فقد كان تجميعُ هذه المجموعة الجديدة أمرا ملحا ومثيرا للتحدى.
وقد شكلت سرعةُ أعمالِ الهدمِ جزءا من هذا الإلحاحِ. صحيح أن المبانى المصرية أصبحت مؤهلة لتُعتبر من المواقع التراثية فى عيد ميلادها المائة، غير أن الحصول على هذا الوضع ليس شرفا، إذ أنه يقيدُ استخدام المبنى بشكلٍ كبير. وكما يكتبُ الشاهدُ: «أنتجَ هذا أعمالا سرية مربحة متخصصة فى إلحاقِ أضرارٍ، من دون لفتِ الانتباه، بالمبانى الجديرة بأن تُعتبر تراثية من الناحيةِ الهيكليةِ فى حالِ عدم إلحاقِهم الضرر بها». وتتراوحُ طرقُ الإضرارِ بالمبانى بين حقنِ الأسيدِ فى المنشأة إلى غمرِ الأساسات.
أما تصويرُ المبانى فقد كان تحدِيا آخر. فهؤلاء الذين التقطوا الصورَ فى كتابِ «القاهرة منذ عام 1900» لم يواجهوا فقط مشاكلَ الإضاءة الضعيفة، وأوراق الشجر النامية كثيرا، والبوابين الذين يحمون المنشآت، وطبقات من اللافتات الإعلانية، بل أيضا واجهوا حقيقةَ أن الـتأهب الأمنى الشديد يشك فى أى مصور يوجه كاميرته إلى المبانى التى لا تعتبر سياحية.
النص الأصلى:
https://bit.ly/3cErW6C

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved