ليلة التهام الفريسة الشيعية

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 17 يونيو 2015 - 12:59 م بتوقيت القاهرة

تسعون دقيقة على الهواء مباشرة، فى برنامج «العاشرة مساء»، جاءت مساء الأحد تحت عنوان «أكل الحمير حرام أم حلال»، تصلح درسا فى الإعلام المحرض على الطائفية، والبعيد عن المهنية وضرب المصلحة الوطنية، كما تكشف جانبا من شبكات بيزنس مصرى ضخم وغامض، اسمه بيزنس مكافحة الشيعة.

كيف يصنع الإعلام معاركه

قدم الإبراشي ضيفه عماد الديب على أنه صاحب بحث يحلل لحوم الحمير، ورد الضيف المذعور بأنه “ما فيش بحث ولا حاجة، بل تدوينة فيسبوك”، وحكى عن زميلة بالوطن قرأت له تدوينة ساخرة، فطلبت منه مقالا في فتاوى لحم الحمير، ثم اجتزأت ما تريد، واختلقت تقريرا بعنوان “معركة فقهية بين الأزهر السلفية والشيعة على لحوم حمير الفيوم”، ولم يكن هناك معركة إلا في خيال الزميلة ومن يحرضها على النبش في جثث الطوائف. هي اعتمدت على سؤال من الديب، وذهبت به إلى السلفية والأزهر، فأصبح من حقها أن تعلن على شعب مصر أن هناك معركة فقهية بشأن حمير الفيوم.

بدأ الخبر بعبارة: أفتت قيادات الشيعة بتحليل أكل لحم الحمير، بعد ضبط مزرعة في الفيوم تذبح الحمير… تزوير صحفي في قضية لا تحتمل التسخين. ببساطة تم إسناد لقب “قيادات الشيعة” لمصري كان ذات يوم عضوا بالجماعة الإسلامية، ودخل السجن على حسابها نهاية الثمانينيات، ثم اعتنق أفكارا شيعية، ورفض أخرى كما يقول، وهو في النهاية كهربائي حاصل على دبلوم تجارة.

عماد الديب الذي بدأ التعليقات على فيسبوك ساخرا، وقع في فخ الإبراشي، وهو يستحق ما جرى له بعد ذلك.

انتقل الجدل من ذبح الحمير، ليصبح محاكمة للمذهب الشيعي في صورة “الباحث الشيعي عماد”.

ليس باحثا، بل كان متطرفا يبيح القتل باسم الدين، عندما كان عضوا بالجماعة الإسلامية، وكان يلقي محاضرات للفقه الذي أهدرت به الجماعة دماء المصريين، في موجة الإرهاب التسعيني.

وليس شيعيا، فهو ضرب أمثلة لعقائد شيعية يرفضها.

الضيف الأساسي، صبري عبادة وكيل الأوقاف، استخرج مقتطفات من متاحف كتب الشيعة، مثل فتوى التمتع بالرضيعة للخميني “أكبه الله في نار جهنم”، هكذا تحدث الداعية وهو يضيف بثقة: عشان نعرف فكر التطرف بييجي منين، هم (الشيعة) أصل كل فتنة.

وبدأ النقاش. الإعلامي الكبير ووكيل الأوقاف يصطادان مواطنا بسيطا باعتباره ممثلا للعقيدة الشيعية، ومدافعا عن فتاوى منسوبة للخميني، وعن أفكار مخزنة في كتب من القرون الأولى، يخرجها وكيل الوزارة مبتسما، منتصرا، ليجهز على الشيعي المسكين، في ليلة فجر الإسلام، الجزء الثاني.

وجه الشيخ عبادة سؤالا للفريسة: انتم في الحوزات بتتلقوا الأوامر؟

رد عماد: حوزات ايه؟

وسأل الإبراشي: بس انتم (الشيعة) لسه مستمرين في المتعة؟.

وأكد عبادة قبل أن يرد عماد: دا بلا شك، وأكتر من كدا كمان.

ما هو “الأكتر من كدا” ومن زواج المتعة يا فضيلة وكيل الأوقاف؟.

ائتلافات وفضائيات مكافحة الشيعة

ويبدأ عماد في الرد على الهجوم بالأسلحة نفسها: عند حضرتك إتيان الدبر حلال ولا حرام؟

يجيب الشيخ بسرعة: دا عندك انت.

من إباحة لحوم الحمير في الفقه الإسلامي، إلى إباحة ضم وتفخيذ الرضيعة، إلى إتيان الزوجة في الدبر، نجحت يا أستاذ وائل.

وجاءت المداخلة الأولى من علاء السعيد، أمين عام ائتلاف الصحب وآل البيت.

هذا الائتلاف أسسه كهربائي آخر، هو وليد إسماعيل، السلفي صاحب فضائية “الصحب والآل”، والمتحدث علاء السعيد هو تابعه المخلص، والمذيع في قناة “الصفا” السلفية، التي تدير حملات متواصلة ضد الشيعة. وذات مرة طلب مديرها خالد الطائي من الأزهر مراجعة إباحة المذهب الاثني عشري، المذهب الشيعي الوحيد الذي يعترف به الأزهر، وحذر من خلايا شيعية نائمة في مصر، تتحين الفرصة لإثارة الفتنة.

أخيرا، الائتلاف “يضم العشرات من الباحثين المتخصصين في الرد على الشيعة”، وهو تخصص أسمع به للمرة الأولى، كما أن الائتلاف متهم من أحد أعضاء المجمع العالمي لأهل البيت، ونقيب الأشراف بالبحيرة بما هو أكثر من التحريض على الشيعة المصريين.

بيزنس مكافحة الشيعة يفصح عن فضائياته.

نشرت بوابة حزب الحرية والعدالة، التابع للإخوان، في أول يونيو الحالي تقريرا بعنوان “برعاية الانقلاب التشيع يغزو مصر”، يحكي عن “واقعة غير مسبوقة، حيث يعلن رجال ونساء تشيعهم على الهواء مباشرة على قنوات شيعية مصرية، بدأت بثها قبل شهور”. معظم المعلومات مغلوطة وهلامية وتنطوي على سوء النية، مثل وجود 37 قناة شيعية على نايلسات، وهو أمر طبيعي في منطقة يعتنق جانب كبير من شعوبها المذهب الشيعي. وفي زحام التقرير يظهر علاء السعيد، أمين عام ائتلاف الصحب وآل البيت، ليستنكر التعامل مع الشيعة، ويحذر من خطر الترويج لأفكار معادية لأهل السنة، “في ظل التمدد الشيعي”.

مصر والمرحلة الثالثة من الغزو الفارسي

في المداخلة الأولى قال علاء السعيد، أمين عام ائتلاف الصحب وآل البيت للإبراشي إن عماد الشيعي يحلل لحم الحمير من أجل تحليل زواج المتعة.

ايه العلاقة بين الحمير والمتعة؟ هكذا سأل المذيع ببراءة، لكن بعد الإجابة كان هناك الأسوأ: الأستاذ عماد طلع له فضيحة على يوتيوب، بيتمتع مع واحدة على سكايبي!.

ثم بدأ المذيع يتهم قوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق بارتكاب مجازر ضد أهل السنة في حربهم على داعش، ويتهم عماد بأنه يهاجم السيسي على صفحته، باستخدام “بوصلة التشيع الفارسي”، والشيعة حاليا يتعاونون مع الإخوان والتكفيريين وداعش، وهم الآن في المرحلة الثالثة من الهجوم الفارسي على مصر، كما قال عبادة.

لم ينجح البرنامج في إقناع الجميع بالخطر الشيعي “اللي اسمه عماد”، بدليل أن السيدة نهلة من الجيزة اتصلت لتعتب على البرنامج محاولة فضح الرجل، “وأنا كممثلة لمبادئ السنة أبين أخلاقي الكويسة بدل ما أفضحه. مش حرام أطلع عندك وأقسم اني شفت له كذا على الإنترنت؟ مش الإسلام نهانا نفضح الناس؟”.

نعم الإسلام ينهانا، وتنهانا قواعد المهنة المحترمة، وواجباتنا نحو وطن يتمزق سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولا ينقصه سوى الفتنة الشيعية.

لحم الحمير كموضوع شعبي “مقرف” ليس حادثا قوميا ليشغل البرنامج الرئيسي للفضائية الكبيرة، لكن يمكن توسيع الموضوع لتسخين الحلقة.

جدل الفتاوى بين السلفية والأزهر قديم ولم يعد يكفي إعلام الإثارة، فلنجعله بين الشيعة والسنة، من اليمن إلى سوريا والعراق، برعاية المركز الفارسي في إيران.

ومهنيا لا يمثل عماد إلا نفسه، ولا علاقة له “بالقيادات الشيعية”، كما تعب وهو يكررها. والمشهد كان غير إنساني، وماكينة العداء للشيعة تنقض بمخالبها الأرضية والفضائية على الفريسة الهزيلة، بأكاذيب واتهامات عقدية أو شخصية، وهو يرد البضاعة بمثلها، وأسوأ.

لكن ذاكرة الوطن لا تنسى

انتهت الحلقة بعتاب مشاهد سعودي للشيخ عبادة لأنه يجلس “أمام شخص مثل هذا”، وتوعد الشيعة في العالم من منصة الإعلام المصري: الخليج الآن يقلم أظافر الشيعة في اليمن وسوريا، ولن يبقى لكم باقية. هم دول أوادم هادولا؟ إذا سمحتم لهم بالبقاء سيحدث قتال في مصر، وسوف تنتهون.

واعتذر وكيل الوزارة لأنه جلس مع عماد، “اصلا ماليش أقعد قدام شيعي، لكن احنا وانت (مخاطبا الإبراشي) عندنا رسالة”.

والرسالة وصلت.

لا يوجد خطر على مصر من الشيعة، بل منكم، من الإعلام الذي يدبر للفتن الطائفية، ويعرض أمن بلاده للخطر، ويبيع المهنية بأي ثمن، ليصبح شكلنا مثل “الاتجاه المعاكس”، ضيفان يصرخان، ومذيع يقلب أوراقه وهو يهمس: كيف سترد عليه؟، إنه يهينك.

يقيس الإبراشي نجاح حلقاته بالجدل الناجم عنها، أو بعدد البيوت التي احترقت بعد تناول الوجبة الطائفية المسمومة من ضيوفه، والوجبة في هذه الحلقة كانت عملا تخريبيا ضد أمن البلد، ومستقبل شعبها، أخطر من برامج العفاريت وزنا المحارم.

الحمد لله لم تشتعل بيوت الشيعة بمصر لأن أحدا لا يشاهد “العاشرة مساء” مثل زمان، ولم تسجل الحلقة أكثر من 2700 مشاهدة على يتويوب بعد ثلاثة أيام من رفعها، وإن في ذلك لعبرة لمن باع المهنية واشترى أوهام النجاح بأي ثمن، ثم بقيت جريمته في حق المهنة والوطن، لا تسقط بالتقادم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved