الطيور الغاضبة

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 17 يونيو 2016 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

فيلم للأطفال بصحبة والديهم حصل على أعلى الإيرادات «36 مليون دولار» فى الأسبوع الأول من عرضه فى أمريكا الشمالية كما ذكرت نيويورك تايمز، و151 مليون دولار فى السوق العالمية وقد استخدمت فيه تقنيات عالية. قبل أن نحكى قصة الفيلم ونعلق عليه لابد أن نشير لتراث حضارى شرقى غربى يصنع فارقا فى النظرة للحيوانات والطيور. ففى الغرب لا يرون مثلا أن الخنازير نجسة وفى أفلام الكرتون للأطفال يظهر الخنزير حكيما، وفى تحفة جورج أورويل «مزرعة الحيوانات» ــوالتى فيها يتحدث عن قيادات الثورة الروسية رامزا لهم بحيوانات المزرعةــ يعطى الخنزير دورا قياديا هاما وأيضا فى النظر للطيور نجد أن ألبومة التى يتشاءم الشرقيون منها ينظر إليها الغرب كمصدر لتفاؤلهم، كما أن هناك فارقا فى معاملة الكلاب والقطط بين الشرق والغرب.. إلخ. هذه المقدمة هامة لفهم وإدراك الهدف من الفيلم.

***

يحكى الفيلم قصة طيور سعيدة تعيش فى جنة بديعة فى جزيرة وسط البحر بعيدة نسبيا عن الأرض. وهذا الجيل من الطيور ورث الجزيرة من أجيال متعددة تعبت وجاهدت حتى حولتها إلى فردوس يسوده السلام والعمل الجاد واحترام الخصوصية وسيادة القانون على جميع ساكنيها. تتميز هذه الطيور بألوان رائعة الجمال ومتنوعة الأشكال تعرف كيف تعيش سعيدة ترقص وتغنى وتنام ملء جفنيها، وتتعامل مع الطبيعة المحيطة بها بمنتهى الحب والاحترام، تتزاوج فيما بينها بحب وعشق راق، وتسمع موسيقى فريدة من نوعها تعزفها الطيور بأصواتها وتتراقص على نغماتها الأشجار وتتمايل. فى وسط هذه الجزيرة تعيش مجموعة من الخنازير تميل ألوانها إلى الاخضرار من نوع واحد، لكنها امتزجت مع باقى الطيور وتزاوجت معها فجاءت أفراخها مهجنة تتحدث لغة الجزيرة وترقص رقصها ولم يعد هناك فارق يذكر سوى الألوان المتقاربة والمتباعدة «الهجين».

وفى أحد الأيام رست على شاطئ الجزيرة سفينة بقيادة خنزير أخضر ويحمل معه عددا قليلا من الخنازير الخضراء فاستقبلتهم الطيور بصدر رحب واحتفلت بهم بعدة احتفالات، لكن هذه الخنازير عندما نزلت إلى الشاطئ كانت تخبئ العشرات من أقرانها فى باطن المركب الذى حملها إلى جنة الطيور. اندمج الوافدون فى المجتمع الجديد وقد سمحت لهم الطيور بالاختلاط معهم حيث كانوا يبدون طيبين المظهر متعبين من طول السفر؛ صحتهم عليلة منهم مرضى وجرحى ومتألمين، معهم أطفالهم وكبار السن فاشفقوا عليهم، وهكذا بدء الوافدون الجدد يتعلمون لغة الطيور رغم ضعفهم الواضح فى الفهم والاستيعاب للغة الجديدة. تنبه الوافدون إلى أن هذه الجزيرة تعتمد ثقافتها على الموسيقى فتعلموها وعزفوا معزوفاتهم وغنوا اغنياتهم وبدوا كأنهم نسوا البلاد التى أتوا منها وحضارتها وثقافتها.. إلخ، بل إنهم تعلموا وتعودوا على طعام الطيور وعرفوا كيف يطهونه بطريقة جيدة. كذلك مارسوا ألعابهم بكل نشاط وحماس وتفوقوا فيها وكذلك أحبوا وعشقوا الطيور وكذلك فعلت الطيور معهم؛ حيث إنهم مارسوا ألعابهم ورقصاتهم ومجمل أنشطتهم الثقافية.

***

وكل فترة زمنية كانت الجزيرة تستقبل سفنا جديدة تحمل خنازير خضراء وافدة إلا أن الأقلية من الخنازير الخضراء التى كانت فى الجزيرة منذ زمان بعيد والتى عاشت ردحا من الزمان مع الطيور واندمجت فى حضارتهم بدأت فى تحذير الطيور من الخنازير الجدد. رغم أن هذه الأقلية كانت منبوذة اجتماعيا من الأصل وتعيش فى حى فقير من أحياء الجزيرة وتعمل فى مهن حقيرة وينظر إليها من الطيور على أنها دخيلة عليهم، لكنهم تعودوا على بعضهم البعض بسبب طول الزمن الذى عاشوا فيه معا. ولقد تنبهت الخنازير الأصيلة إلى خطورة الخنازير الجديدة وأوضحت كثيرا للطيور مالكة الجزيرة الخطورة التى يمثلها الوافدون الجدد من الخنازير الخضراء، إلا أنهم لم يلتفتوا إلى مثل هذه التحذيرات. ولكن وقوع بعض التصرفات من الوافدين بدون قصد؛ مثل العنف فى الشجار مع الطيور عند الاختلاف ومثل اغتصاب بعض أولاد الخنازير لإناث الطيور مع الأسلوب السرى الذى يستخدمونه فى لقاءاتهم معا وتحريضهم الخنازير الخضر القدامى للانضمام إليهم.. إلخ؛ كل هذا زرع الشك فى قلوب حكام الجزيرة من الطيور.

بدأت الطيور فى مراقبة الخنازير الجدد جيدا فوجدوا أن الصناديق الخشب التى جاءت مع الوافدين الجدد مرسوم عليها الأحرف الثلاثة T.N.T، وأن الهدف من وصولهم إلى الجزيرة هو اختطاف صغار الطيور والهرب بهم إلى موطنهم الأصلى. عندما اكتشفت بعض الطيور هذه الحقيقة انتفضوا غاضبين ثائرين على القوانين والحضارة التى جعلتهم يحتضنون مثل هؤلاء، تخلوا عن سذاجتهم وتعاطفهم مع الوافدين الجدد ونظموا أنفسهم واستنفروا جميع الطيور بعد إعلانهم لهم باكتشاف ما فى الصناديق، وقادوا مجتمع الطيور بأكمله لأجل الانتقام من الخنازير الأنذال الذين قطموا الأيادى التى امتدت إليهم ورحبت بهم وقدمت لهم كل التسهيلات لكى يعيشوا حياة هانئة على الجزيرة بل واعتبروهم من أهلهم وشعبهم وتزاوجوا معهم. لقد انكروا الجميل وظهر وجههم الحقيقى البغيض.

كان لابد من حرب ثأرية عنيفة حيث لم تستطع الخنازير أن تبرر سبب وجود صناديق الديناميت؟ ولماذا تم خطف طيور صغيرة وتهريبها لبلادهم ليستخدموهم ضد وطنهم بعد إقناعهم بفساد الطيور الكبيرة أخلاقيا؟. وقد سفكت دماء كثيرة فى هذه الحرب ومات فيها الكثير من الطيور المثقفة والمتحضرة، ودمرت معالم كثيرة تدل على الحضارة المتقدمة التى صنعها الطيور الأجداد من أماكن الموسيقى والمسرح وانتهت الحرب بانتصار الطيور فى موقعة عسكرية حقيقية، فيها استخدمت الطيور أجسادها لتدمير بيوت الخنازير الخضراء. ولقد كانت نهاية الخنازير نهاية فاجعة لهم وكذلك كان الانتصار مكلفا جدا للطيور الطيبة التى استقبلت الخنازير بسذاجة وطيبة قلب.

***

بالطبع يحذر صانعو هذا الفيلم من الإرهابيين الذين يندسون بين اللاجئين السوريين الذين يركبون قوارب الموت إلى شواطئ أوروبا، أو الذين يطلبون اللجوء من خلال منظمات الأمم المتحدة. لقد كان أول انطباع أتى إلى ذهنى بعد مشاهدة الفيلم أن ليس كل الأوروبيين والأمريكيين طيورا ساذجة طيبة تعيش فى أمان وحب وصفاء. كما أن ليس كل اللاجئين خنازير، بالطبع هناك فى بلاد المهجر طيور طيبة تحمل فى أضلاعها قلوب حانية تستقبل المهاجرين بكل حب وتقبل، بل وترحب بوجودهم وتساعدهم. وهؤلاء المهاجرون معظمهم أيضا طيور كانت تعيش فى بلادهم محلقة مبتهجة بقلوب طيبة تحب الحياة، لكن ديكتاتورية حكامهم ومغامراتهم دمرتهم ودمرت بلادهم وشعوبهم وظهرت الخنازير من وسطهم تسبى نساءهم وتقتل رجالهم وتجند أطفالهم لكى يفجروا أنفسهم فى بشر لا علاقة لهم بقضيتهم.

ركبت هذه الطيور الطيبة القوارب فى مغامرة خطيرة لتجد أحضان تحتمى فيها إلا أن بعض الخنازير اندسوا فى وسطهم، فلا يمكن أن نحاسب كل الطيور المهاجرة على أنهم خنازير ثم أن بين الطيور ساكنة الجزيرة هناك خنازير يمارسون العنصرية ضد كل ما هو أجنبى ويذلونهم بقسوة لدرجة أن الأجيال الأولى من المهاجرين الشرعيين يعانون أشد المعاناة. إن التعميم فى كل الحالات خطأ، ونحن نرى – عزيزى القارئ – فى هذا الفيلم دور الفن فى استقراء المستقبل والتحذير مما سوف يحدث.

وفى مصر رأينا كثيرا من هذه الأفلام التى تستقرئ المستقبل وتحذر من حكم الخنازير وعلى رأس هذه الأفلام كان المصير ليوسف شاهين حيث وصل الخنازير إلى ابن الملك حاكم الأندلس وجندوه، وكان من ذكاء يوسف شاهين أنه ترك النهاية مفتوحة للصراع بين الطيور والخنازير. ولقد حذر «حسين كمال» الديكتاتور الذى يحكم البلاد من نهاية «عتريس» فى فيلم «شىء من الخوف»، كما فعل «صلاح أبو سيف» فى فيلم «الزوجة الثانية» و«البداية» حيث ترك الديكتاتور يقابل مصيره منفردا وغردت الطيور بعيدا. مازال للفن والأدب الدور الرئيسى لإرسال رسائل التحذير سواء للطيور أو الخنازير.

والفيصل هنا هل تدرك الطيور متى وكيف تنتفض؟ وهل تدرك الخنازير متى وكيف تتراجع وتكون أكثر إنسانية؟ إنه الصراع بين الطيور والخنازير فى كل زمان ومكان سواء على المستوى المحلى أو العالمى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved