شحاذون غير نبلاء!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 17 يونيو 2019 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

فى الخامسة والنصف من بعد ظهر يوم الإثنين قبل الماضى الماضى، كنت متوجها لمدينة نصر، وعلى مطلع كوبرى أكتوبر من ميدان عبدالمنعم رياض، فوجئت بمجموعة من المتسولين يوقفون السيارات الملاكى بصورة أقرب إلى «التثبيت» للحصول على المال. الزحام كان كبيرا، لكن عندما تحركت السيارات قليلا، اندفع المتسولون خلفها بأقصى سرعة، لإيقافها حتى يحصلوا على المعلوم.

قبل ذلك بأسيوعين، كنت فى إشارة مرور قرب ميدان التحرير، واقترب منى شخص، ورص لى مجموعة الكلمات والعبارات المعتادة، وحينما قلت له «على الله»، انفجر فى غاضبا: «إزاى ترفض تعطينى، يا أخى حرام عليك، إحنا فى بداية رمضان»!!. وربما لولا تحرك السيارة، لأمسك فى خناقى»!

السؤال هو: من المسئول عن تنامى هذه الظاهرة فى شوارع القاهرة والمحافظات؟!.

قبل الإجابة، ألفت النظر إلى أننى أفرق تماما بين الفقراء المحتاجين، والذين يضطرون لمد يدهم، وبين مافيا التسول التى تحترف هذه المهنة، ويحققون من ورائها أرباحا بالملايين.

المحتاجون الحقيقيون يندر أن يطاردوا الناس فى الشوارع طلبا للمساعدة. هم فعلا: ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى، «للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله، لا يستطيعون ضربا فى الأرض، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم». البقرة ٢٧٣.

هؤلاء لا أقصدهم بهذا المقال، ولكن أقصد مافيا التسول أو «الشحاذون غير النبلاء» والعبارة الأخيرة تحوير لعنوان الفيلم السينمائى الشهير والمتميز «شحاذون ونبلاء»، إنتاج عام 1991، واخراج أسماء البكرى، وﺗﺄﻟﻴﻒ ألبير قصيرى وبطولة صلاح السعدنى ومحمود الجندى وعبدالعزيز مخيون وأحمد آدم ولبنى ونس.

فى الماضى ــ ولأننى قروى صعيدى ساذج ــ كنت أعطى كل من يسألنى فى حدود إمكانياتى. لم أكن أفكر هل هو محتاج فعلا، أم أنه نصاب؟!. لكن وبعد أن أدركت أنها صارت مهنة محترفين، فقد صرت أتريث كثيرا قبل أن أقدم على أى خطوة. ثم وصلت لقناعة، بأنه إذا كان لدى ما يفيض، فالأفضل أن يتم تقديمه لمحتاجين أعرفهم مباشرة، أو لمؤسسات خيرية يمكن الوثوق بها.

وصلت لهذه القناعة بعد حكاوى ومشاهدات كثيرة، وأن هؤلاء صاروا خبراء فى النصب والاحتيال، ويجددون دائما فى اختراعاتهم، من أول روشتة الدواء، والاحتياج لعملية جراحية عاجلة، مرورا بأنه تعرض للسرقة فجأة، نهاية بالمتاجرة بطفلة رضيعة لا نعرف هل هى بنتها أم مخطوفة؟!.

نقرأ أحيانا عن القبض على بعض هؤلاء، وأن حصيلة يوم واحد من التسول، قد تساوى مرتب وزير فى شهر كامل. وبالتالى هى مهنة مربحة جدا، ليست صعبة. لكنها شديدة الإيلام والوجع لصورتنا وصورة بلدنا أما أنفسنا وأمام الأجانب.

صار مشهد الأطفال الصغار فى الشارع مخزنا. أعمارهم لا تزيد على خمس سنوات، ويتقافزون بين السيارات والإشارات، وقد يتعرضون للدهس فى غمضة عين.

الغريب أن معظم الشحاذين فى سن العمل، ويمكنهم أن يعملوا فى مهن جيدة تكفيهم ذل السؤال، لكن المؤكد أنها أعمال ستكون أقل ربما بكثير من مهنة «الشحاتة».

نعود للسؤال الجوهرى الذى بدأنا به: لماذا يتم ترك هؤلاء فى الشوارع؟!.

للموضوعية لا أجد إجابة مقنعة حتى الآن!.

لو أن الشرطة حذرتهم أولا، ثم ألقت القبض عليهم، وبعدها حولتهم للنيابة، وتم الحكم عليهم بالسجن، فالمؤكد أن الظاهرة ستتلاشى فى غضون أسابيع قليلة. لكن ما يحدث على أرض الواقع، يقول إن هذه المهنة أو التجارة تزداد ازدهارا يوما بعد يوم.

الذى يسير على قدميه فى شوارع وسط البلد، أو ينظر من نوافذ سيارته، سيجد بعض المتسولين، وقد استوطنوا العديد من أرصفة الشوارع والكبارى الرئيسية.

أرجو من أجهزة الأمن أن تلاحظ مثلا أن شخصا وأسرته ينامون بصورة شبه يومية على كوبرى الجلاء الرابط بين الدقى والأوبرا. وهو المشهد الذى يتكرر فى أماكن أخرى، وكتبت عنه قبل ذلك، حينما كانت هناك مبادرة لجمع هؤلاء وإيداعهم فى دور الرعاية. لكن معظمهم بالطبع سيخسر كثيرا هو أو من «يشغله» إذا ترك المكان وذهب لدور الرعاية التابعة لوزارة التضامن.

السؤال: هل هناك من يستفيد من هؤلاء «الشحاتين» من تواجدهم ومن عملهم ومن فلوسهم، وماذا عن الظاهرة الأخطر وهى تحول غالبية عمال النظافة فى الشوارع إلى «مهنة الشحاتة»؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved