حياة المسيح

رجائي عطية
رجائي عطية

آخر تحديث: الأربعاء 17 يونيو 2020 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

يأتى كتاب «حياة المسيح» فى إطار بحث الأستاذ العقاد فى النبوات الكبرى، أول
ما صدر ـ كان فى سنة 1953 ولكن بعنوان «عبقرية المسيح».. ونشرته دار الهلال، ومضت خمس سنوات قبل إصدار طبعته الثانية، ولكن بعنوان «حياة المسيح وكشوف العصر الحديث»، وأصدرته أيضا دار الهلال بالعدد 58 من كتاب الهلال، ثم أعادت إصداره بذات العنوان بالعدد 202 لكتاب الهلال فى يناير 1968، ونشرته نهضة مصر سنة 2003، وأعيد نشره ضمن المجلد الأول من «موسوعة العقاد الإسلامية» ـ وكذا بالمجلد الأول للمجموعة الكاملة لمؤلفات العقاد ـ بيروت.
ولوحظ أن الأستاذ العقاد بدأ الطبعة الثانية بمقدمة سبقت فصله الأول، تحمل عنوان «كشوف وادى القمران وتفسيرات من فلسفة التاريخ»، فقد اتفق أن بدأ كشف لفائف «وادى القمران» بشرق الأردن، فى مطلع سنة 1947، إلا أن الأحوال لم تسمح باستمرار البحث فيها والتنقيب عن بقاياها، لتفاقم مشكلة فلسطين يومئذ، ولم يتيسر استئناف البحوث والاشتغال بدراستها إلا وهو يتأهب لإعادة طبع الكتاب الذى ألفه سنة 1952 وصدر سنة 1953، فتوقف العقاد عن إصدار الطبعة الثانية حتى تتهيأ له الفرصة لدراسة ما كشفت عنه البحوث فى وادى القمران.
ولا أحسب أن كل غرض الأستاذ العقاد من تصدير الطبعات التالية بهذه الكشوف ـ أن يبين فقط مدى اهتمامه بمتابعة كل جديد، وإنما بعض غرضه ـ فيما أظن ـ أن يبين أن ما كتبه وطالعه الناس منذ سنة 1953 ـ لم يكن قد أحاط بما أماطته الكشوف وتوابعها فى
«وادى القمران»، وربما كان بعض غرضه أيضا أن يوضح أن انتظار الاطلاع على اللفائف المكتشفة لم يكن ليثنيه عن متابعة البحث فى أسرار النبوة كما بدأت فى عهد إبراهيم وعهد موسى الكليم، لأن البحث فى هذه الأسرار على عهد الخليل يبتدئ بنا من البداءة الأولى التى تقدمت قبل جميع الينابيع.
فدراسة النبوة بعد عهد موسى الكليم ـ افتتحت عهودا من النبوءات ـ لا النبوات ـ بلغ فيها عدد أصحابها العشرات بل المئات، ومع ذلك فإن تاريخ موسى الكليم قد يتصل عن كثب بتاريخ لفائف وادى القمران، إذ كان من هذه الكشوف ـ لفائف تتضمن كتبا من التوراة، وقطعا من الأسفار الخمسة الأولى للعهد القديم المشهورة بالكتب الموسوية، أو التوراة فى عرف بعض الباحثين، ولأن الأمل كان يساور العلماء الحفريين واللاهوتيين فى استئناف الكشف عنها، لذا أرجأ الأستاذ العقاد الكتابة عن موسى الكليم، وظنى أن إبلاغ هذه الرسالة وراء تصدير «كشوف وادى القمران» فى الطبعة الثانية لكتابه «حياة المسيح»، ونحن نعرف الآن، أن الظروف بعد ذلك لم تمهل الأستاذ العقاد للكتابة عن موسى الكليم كما كان يأمل، ولكنه بهذا الإيضاح قصد أن يبين أنه لم يهمل موسى الكليم، وأن نيته كانت معقودة على الكتابة عنه.
أما الطبعة الجديدة لكتابه «حياة المسيح»، فكان المضى فيها متوقفا على استقصائه الموارد الجديدة، وتحديدا على مصادر ثلاثة: أهمها لفائف وادى القمران، ومنها تراجم العهدين القديم والجديد المنقحة فى اللغات الغربية، ومنها سيل لم يكن ينقطع آنذاك سنة 1953 من مؤلفات المفكرين الدينيين وغيرهم عن السيد المسيح من وجهة النظر العصرية بعد الحرب العالمية الثانية.
أما وقد أوضحت ما أظن أنه كان غرض ـ أو بعض غرض ـ الأستاذ العقاد من «تصدير» الطبعة الثانية بكشوف وادى القمران، فلندع ما أودعه هذا الفصل عن هذه الكشوف وعن تفسيرات من فلسفة التاريخ لمن يريد متابعة هذه البحوث فى كتابه.
وقد لا نستثنى من هذه الإحالة على الكتاب، سوى ما أورده الأستاذ العقاد عن الضجة الكبرى التى أثيرت آنذاك حول فقرة فى الإصحاح السابع من سفر أشعيا بالعهد القديم، والمترجمة فى اللغة العربية بالكلمات الآتية: «.. يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحمل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل».
فهذه الفقرة تظهر فى الترجمة الإنجليزية المنقحة بعبارة «امرأة شابة» فى مقابل كلمة «علامة» العبرية، وكلمة «بارانثوس Parenthos» فى الترجمة السبعينية. ولا جديد فيما يرى العقاد فى هذا الخلاف، لأنه خلاف فى المذاهب الثلاثة التى يدور بحثها على تفسير المقصود «ببتولة» السيدة مريم أم المسيح عليه السلام. فمن أصحاب المذاهب المسيحية من يفسرها بالبتولة الدائمة قبل ميلاد المسيح وبعده، ومنهم من يقول بالبتولة قبل ميلاده.. ثم ولادة إخوة له بعد ذلك وردت الإشارة إليهم فى كتب العهد الجديد. ومن هؤلاء أصحاب المذاهب من يرجع إلى النصوص العبرية ولا يذكر كلمة «البتول»، أما فيما بين القائلين بالبتولة الدائمة وبين المستشهدين بإخوة السيد المسيح، فقد احتج القائلون بالبتولة الدائمة بأن هؤلاء الإخوة أبناء عمومة أو أنهم إخوة منسوبون إلى يوسف خطيب السيدة مريم، إلى آخر ما ورد فى هذا الخلاف القديم.
وهنا يوضح الأستاذ العقاد أنه كان أمامه تفاصيل هذا الخلاف عند كتابة «عبقرية المسيح» فلم يتعرض له أو لبحث من البحوث فى هذا الصدد ـ إلا ما كانت له صلة لا فكاك لها برسالة السيد المسيح فى عالم الهداية الروحية. وأنه لهذا لم يذكر كلمة «أخى الرب» التى شفعت باسم «جيمس» المقابل لاسم يعقوب فى الترجمة العربية، وقال عنه إنه «جيمس قريب السيد المسيح».
ويرد الأستاذ العقاد على من خطر لهم أنه سماه كذلك لأنه لم يطلع على الترجمة العربية لكتب العهد الجديد، بأن عليهم أن يعلموا استحالة هذا المظنة، فقد فتح كتب العهدين القديم والجديد أكثر من مائة مرة وهو يكتب «عبقرية المسيح»، ومع ذلك فإنه ارتأى للضجة المثارة بشأن اللفائف المستخرجة، وبشأن عبارة فى سفر أشعيا، وما قيل عن الترجمة ـ أن ينتظر لما تسفر عنه البحوث، فقد يكون هنالك من وراء النصوص والأسانيد ما يوجب إعادة النظر فى كتابه «عبقرية المسيح».
***
لقد دعا هذا إلى التمهل خمس سنوات قبل إصدار الكتاب مرة أخرى، ولكن الأستاذ العقاد يتساءل ماذا كان يمكن أن يكون موقفه لو علم يومئذ أن محور الضجة على الترجمة، أنها ستئول إلى موضوع معاد فى قضية معروفة، ومع ذلك فهو يرى أن اشتغاله بالاطلاع على طائفة من تلك الكتب، كان كافيا لتعليق النظر كى يطمئن إلى عاقبة الأناة، فضلا عن أن اطلاعه على هذه الكتب الجديدة كان متعة من متع القراءة التى ترضيه قارئا قبل أن ترضيه مؤلفا، ولم يحل دون هذه المتعة أنه كان فيها السمين والغث.
آخر ما ينهى به الأستاذ العقاد هذه الجزئية، أن صفوة ما يبقى بعد حذف التخمينات، أن الدعوة المسيحية بعد السيد المسيح عليه السلام، كانت ترجع إلى مركزين: أحدهما برئاسة جيمس ـ أى يعقوب ـ المسمى بأخى الرب ومقره بيت المقدس، والثانى برئاسة بولس «Paul» الرسول ومريديه ومقره بخارج فلسطين بعيدا عن سلطان هيكل اليهود، وظلت الرئاسة على العالم المسيحى معقودة للشعبة المقيمة فى بيت المقدس حتى تهدم الهيكل، فآلت قيادة الدعوة إلى الشعبة التى كانت بخارج فلسطين وكان لها أثر كبير فى أسلوب الدعوة وفى اختيار وسائل الإقناع.

rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved