مراهنة اليائسين

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الجمعة 17 يوليه 2009 - 6:02 م بتوقيت القاهرة

 من يريد أن يعرف حقا حجم اليأس والإحباط وعدم الثقة فى النفس المنتشر فى مصر، فليقرأ التعليقات التى تلقيتها على ما كتبته فى هذا المكان تحت عنوان «قرار سيادى مرشح للتعريب»، ولعلك تذكر أن القرار كان افتراضيا واستهدف قياس قدرة الشعب على الصبر والاحتمال، فى نكتة خلاصتها أنه مهما فعلت السلطة بالناس وفيهم، فإنهم سيصبرون ويتكيفون، ويمتثلون فى نهاية المطاف، بعدما فقدوا القدرة على الفعل الإيجابى.

ما أثار انتباهى فى الأصداء التى تلقيتها أن نسبة عالية من أصحاب الرسائل لم تعتبر تلك الخلاصة أمرا مفاجئا. إذ رأت الأغلبية أنه لا ينبغى أن ننتظر صدى من الجماهير التى جرى ترويضها، حتى أصبحت عاجزة عن الغضب، حتى لكرامتها، وفى الوقت ذاته تم إشغالها بمتطلبات الحياة، التى أصبحت الأسرة مهمومة بها وتركض لأجل توفيرها طوال الوقت، وفى ذات الوقت جرى إشغال الناس وإلهاؤهم بمباريات كرة الأقدام، بحيث أصبح حماس الناس منصرفا إلى تشجيع الفرق الرياضية، وتزايد عزوفهم عن تشجيع الأحزاب السياسية.

فى أحد اللقاءات تطرق الحوار إلى الموضوع، فوجه أحد الجالسين الحديث إلىّ قائلا: إنك كتبت عن موت السياسة، لكن الحقيقة أن المجتمع هو الذى مات وليس السياسة وحدها. والناس لم يعودوا مشغولين إلا بمشكلات الخبز والمياه والمعاشات. وقد وجدناهم يتظاهرون أكثر من مرة لهذه الأسباب. والكل يعلم أن الغضب الشعبى الشهير فى 18 و19 يناير عام 77 لم يكن لأجل الديمقراطية وإنما كان سببه رفع الأسعار آنذاك. قال آخر إنه لم يعد فى البلد قوى فاعلة ولا نشطاء يعمل لهم حساب. فها هو مجدى حسين الصحفى والأمين العام لحزب العمل حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات عقابا له على أنه ذهب إلى غزة عبر أحد الأنفاق لكى يعبر عن تضامنه مع أهلها المحاصرين، وها هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب والقيادى الإخوانى، يتم الزج به الآن فى قضية يجرى تلفيقها تمهيدا لمحاكمته أمام القضاء العسكرى. فى الوقت ذاته فعمليات الاعتقال والتعذيب تتم بصورة يومية فى أقسام الشرطة، مع ذلك فلا شىء يتحرك فى البلد. حتى يبدو وكأن السلطة اعتبرت المجتمع جثة هامدة، لا تملك القدرة على الحراك أو الفعل.

كان رأيى ولا يزال أن غضب الناس لمشكلاتهم الخاصة أمر طبيعى. وأن الغضب للشأن العام هو مهمة الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدنى، التى يفترض أن تجسد عقل المجتمع وضميره. إذ إنها بصفتها تلك وحدها المؤهلة لترشيد الإدراك العام وتوعية الجماهير وتبنى مطالبها، علما بأن أى غضب شعبى يندلع دون عقل سياسى يفتح الباب للفوضى التى تفسد بأكثر مما تصلح. وحريق القاهرة فى عام 1951 دليل على ذلك.

إن أحد «إنجازات» النظام فى مصر أنه نجح فى إضعاف أو تدمير خلايا المجتمع المدنى، فالأحزاب السياسية أريد لها أن تولد كسيحة ومشوهة. والنقابات المهنية أغلبها مجمد أو تحت سيطرة الحزب الوطنى. والنقابات العمالية أصبحت مدجنة وتمثل الحزب الحاكم أو الأمن بأكثر مما تمثل العمال. أما منظمات المجتمع المدنى فهى إما تحت السيطرة أو تحت الملاحقة. الأمر الذى يعنى أنه خلال العقود الأخيرة تم من الناحية العملية إجراء جراحة سياسية استهدف إخصاء المجتمع ونزع فتيل العافية فيه. وحين ضعف المجتمع فإن المراهنة على التغيير فيه أصبحت تنتظر معجزة من السماء، بقدر ما أن احتمالات الفوضى فيه أصبحت تتزايد حينا بعد حين.

قال أحد الجالسين إن الحسابات يمكن أن تنقلب رأسا على عقب إذا ارتفع سعر الرغيف فى مصر من خمسة إلى خمسة عشر قرشا. وهو ما يمكن أن يحرك الركود فى بحيرتنا الساكنة. فى اليوم التالى قرأت فى صحف الصباح أن الحكومة تدرس رفع سعر الرغيف إلى 15 قرشا، الأمر الذى جعلنى أتوجس شرا، وأتابع نشرات الأخبار ساعة بعد ساعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved