هل يمكن انتخاب رئيس مصرى فقير؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 17 يوليه 2011 - 8:59 ص بتوقيت القاهرة

ليس هناك الكثير مما يجمع بين تركيا والبرازيل، فالأولى دولة ذات أغلبية مسلمة سنية، سكانها يبلغون 75 مليون نسمة، ولها تاريخ عريق من قدم عمر البشر، وتقع بين الشرق الأوسط وجنوب أوروبا، وغرب آسيا. فى حين أن الثانية تعد دولة مسيحية ذات أغلبية كاثوليكية، وهى دولة حديثة عمرها أقل من مائتى عام، ويسكنها 195 مليونا من البشر، وتقع فى قارة أمريكا الجنوبية.

إلا أن الشعبين المختلفين جمعهما شىء فريد خلال العقد الأخير. فقد اختار الأتراك والبرازيليون رئيسا من أصل فقير ليقود دولتيهما فى نفس العام 2003، وهو ما مثل نقطة فاصلة فى تاريخهما، ونتج عنه ارتقائهما لمصاف الدول الكبرى بمعايير الاقتصاد والسياسة، خلال فترة تقل عن عشر سنوات.

حكم الرئيس «لولا دا سيلفا» البرازيل من بداية 2003 إلى نهاية 2010، وهو من أبرز الزعماء السياسيين الذين خرجوا من رحم الفقر والتهميش إلى قمة هرم السلطة دون أن ينسوا فقراء بلادهم ولم ينسوا أنهم كانوا من الفقراء.

وخلال آخر خطاب ألقاه دا سيلفا قبل انتهاء مدة حكمه الثانية فى ديسمبر الماضى، بكى دا سيلفا عندما استحضر ذكريات نشأته وهو طفل فقير فى إحدى المدن الريفية بشمال البرازيل إلى أن وصل لرئاسة ثامن أكبر قوة اقتصادية فى العالم. ثم بكى دا سيلفا مرة أخرى عندما استحضر ذكرى فوزه فى الانتخابات الرئاسية عام 2002 بعد ثلاث هزائم متتالية فى 1990 و1994 و1998 قائلا: «خسرت لأن جزءا من الفقراء لم يكن لديهم ثقة فىَّ حينذاك».

عمل دا سيلفا كماسح للأحذية أثناء دراسته الابتدائية التى لم يكملها فى ضواحى مدينة ساو باولو، وعمل كصبى بمحطة بنزين، وخراط، وخسر دا سيلفا إصبعه الصغير فى يده اليسرى أثناء هذه الوظيفة، ثم عمل ميكانيكى سيارات، وبائع خضار، قبل أن ينتقل للعمل النقابى.

الرئيس البرازيلى الفقير دا سيلفا لم ينل شهادة جامعية، لكنه حصل على شهادة عليا من الاحترام من شعبه، وشهادة حب خاصة من الرفاق القدامى من الفقراء. قفز دا سيلفا بالبرازيل من ثامن إلى خامس اقتصاد فى العالم خلال خمسة أعوام، وتصدر البرازيل اليوم كل شىء من طائرات عسكرية ومدنية إلى قهوة وعصير برتقال.

فى سنة 1999، كاد الاقتصاد البرازيلى ينهار على أثر انهيارات اقتصاديات دول شرق آسيا، واضطرت البرازيل لاقتراض ثلاثين مليار دولار من صندوق النقد الدولى. وخلال سنوات حكم دا سيلفا من 2002 ــ 2010، عاد الاقتصاد البرازيلى قويا.

ويبلغ الناتج القومى للبرازيل هذا العام 2.2 تريليون دولار (2200 مليار دولار)، ويبلغ متوسط الدخل السنوى للفرد 11289 دولارا.

بعث دا سيلفا الأمل فى قلوب ملايين الفقراء فى دول أمريكا الوسطى والجنوبية. وعندما تقابل ورئيس أمريكا باراك أوباما فى قمة الأمريكيتين فى أبريل 2009، تندر أوباما قائلا له «لك شعبية أكثر منى، لك شعبية فى كل الكرة الأرضية»، ونال دا سيلفا فى الانتخابات الأخيرة مساندة ثمانين فى المائة من الشعب بفقرائه وأغنيائه.
أما الرئيس التركى، رجب أردوغان، فقد بدأ حكمه عام 2003، ومازال مستمرا حتى الآن.

رجب أردوغان، الذى لا يجيد التحدث أو القراءة إلا باللغة التركية، اضطر للعمل أثناء سنوات دراسته الابتدائية والإعدادية ليساعد أسرته الفقيرة على سداد مستلزمات الحياة.
وذكر أردوغان مفتخرا فى إحدى المناظرات الانتخابية «لم يكن أمامى غير بيع البطيخ والسميد فى مرحلتى الابتدائية والإعدادية كى أستطيع معاونة والدى وتوفير قسم من مصروفات تعليمى فقد كان والدى فقيرا جدا».

عندما جاء حزب العدالة والتنمية التركى إلى الحكم بقيادة رجب طيب اردوغان كانت الأوضاع الاقتصادية قد وصلت إلى الحضيض من كل النواحى، كانت نسبة النمو بالكاد تتجاوز 3%.

وكان متوسط دخل الفرد لا يزيد على ثلاثة آلاف دولار فى العام وكان الناتج المحلى لا يزيد على 180 مليار دولار. وكان أمام حزب التنمية إضافة لكل هذه التحديات تحديا آخر هو انحطاط سعر الليرة التركية إلى حد استوجب تدخل صندوق النقد الدولى بمشروع إنقاذ تركيا وإقرار منحها عشرة مليارات دولار لمعالجة هذه الأزمة.

وخلال ثمانى سنوات استطاع أردوغان أن يبلغ بالناتج المحلى إلى أكثر من 800 مليار دولار وان يرتفع متوسط دخل الفرد إلى 10399 دولارا هذا العام. وتركيا اليوم عضو فى مجموعة العشرين، إذ إنها صاحبة الاقتصاد رقم 15على مستوى العالم.

الفقر ليس غريبا على مصر، وطبقا لأحدث تقرير صادر عن التنمية البشرية بالوطن العربى عام 2010، قدرت نسبة الفقراء فى مصر بـ41% من شعبها.
وتعرف بعض المعايير الدولية الفقر بحصول الفرد يوميا على أقل من دولارين اثنين، أى ما يعادل اثنى عشر جنيها تقريبا، أو ما يقرب من 360 جنيها شهريا.

ولا يعنى تعريف الفقر فقط عدم كفاية الدخل، بل يتجاوزه إلى أبعاد أخرى، منها تدهور الصحة وسوء التغذية، وتدنى مستوى التعليم، وعدم توفر السكن اللائق، والأهم عدم المشاركة السياسية. وهذه هى معضلة الفقر الذى يعيشه ما يقرب من 33 مليون مصرى فى مختلف أرجاء البلاد.

مصر اليوم أصبحت جزيرة أغنياء تحيط بها محيطات من الفقراء، فقد أشار تقرير حديث صدر عن منظمة الأمم المتحدة إلى تضخم ثروات الطبقة الغنية فى مصر التى يمثل أعضاؤها 20% فقط من المصريين، والذين يمتلكون 80 % من الثروات، بينما يمتلك الـ80% الباقون من مجموع الشعب المصرى 20% فقط من الثروات. وذكر التقرير أن هناك 1% فقط من أعضاء الطبقة الغنية يمتلكون 50 % من حجم ثروات هذه الطبقة، بينما يشترك الـ99% الباقون فى ملكية الـ50% الباقية.

هل يمكن انتخاب رئيس فقير فى مصر؟ سؤال طرحته على بعض المثقفين أثناء زيارتى الحالية لمصر، وكانت الإجابة صادمة بالنفى. ويتلخص السبب فى مدى التأثير الذى يمكن أن تلعبه الأموال على نجاح مرشحى الرئاسة، وهو ما سيكون موضوعنا الأسبوع القادم.

يا فقراء مصر اتحدوا، فأنتم أكبر كتلة تصويتيه فى مصر.. ما أحوجنا إلى رئيس يشعر بما تعانيه الأغلبية الكاسحة من شعبنا المصرى الفقير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved