وماذا عن الربيع الاقتصادى؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 17 يوليه 2014 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

منذ قيام ثورات وحراكات الربيع العربى فى العديد من الأقطار العربية انشغل الوطن العربى كله بالقضايا السياسية، وعلى الأخص كيفية الانتقال من أنظمة الاستبداد إلى الممارسة الديموقراطية. ثم أجبرته الأحداث والأخطاء والمؤامرات على الانشغال بعبثية الانقسامات والصراعات الدينية والمذهبية.

أما الاقتصاد، الذى لا يقل أهمية عن الموضوع السياسى، والذى له تأثيراته الهائلة على المسار السياسى بكل تجلياته، فقد وضع فى زاوية ليقتصر التطرق إليه على تراجع السياحة وشبه توقف الاستثمارات الخارجية وزيادة نسبة البطالة بين الشباب على الأخص.

هذا التعامل الآتى والسطحى مع موضوع بالغ الأهمية والتعقيد كموضوع الاقتصاد، فى وطن يرنو مواطنوه، وعلى الأخص شبابه، إلى إحداث تغييرات كبرى وعميقة فى مسيرته الحضارية، هو تعامل لا يستوعب مرتكزات هذا العصر الذى لم يعطى أهمية كبرى لموضوع الاقتصاد ولا إلى الدور السلبى الذى لعبه الاقتصاد الريعى عبر القرون فى بناء الأنظمة السياسية الاستبدادية العربية وفى نهب ثروات الأمة وإبقائها متخلفة فقيرة.

•••

كمدخل للتعامل مع هذا الموضوع سنبدأ باقتصاد دول مجلس التعاون الخليجى الذى يجلس على ريع بترولى ــ غازى سنوى يصل إلى تريليون دولار (ألف بليون)، والذى إن أحسنت أنظمة دول المجلس الاستفادة منه لبناء اقتصادى إنتاجى ـ معرفى حديث فى دولها ولاستثمار جزء منه فى بناء اقتصاد مماثل فى بقية الوطن العربى، فإنها ستحدث نقلة نوعية فى حياة العرب كافة.

هذا قول لا مبالغة فيه، وسيتضح كلما أوغلنا فى طرح الأسئلة وفى تحليل ما يجب أن يتوجه إليه اقتصاد دول مجلس التعاون مستقبلا. قد يتطلب ذلك كتابة عدة أعمدة، لكن الموضوع يستحق ذلك وقد تنجح فى أن يكون موضوعا مطروحا فى الساحة المجتمعية على نطاق واسع وحاصلا على اهتمام وسائل الإعلام والتواصل، وخصوصا شريحة الشباب من بين المواطنين.

•••

لنتوجه إلى دول مجلس التعاون ولنطرح العديد من الأسئلة المفصلية.

أولا، تدعى دول المجلس بأن ممارساتها الاقتصادية متماثلة إلى حد كبير، إذ أنها جميعا تتبنى الاقتصاد الحر، أى حرية الأسواق وحرية تبادل البضائع. ولكن هل أن موضوع الاقتصاد ينحصر فى أنشطة الأسواق وتبادل السلع؟ أم أن هناك فكرا اقتصاديا ينقسم إلى مدارس لها منطلقات نظرية فلسفية تتعلق بالعديد من الجوانب الحياتية ولها منهجيات متباينة لإدارة الاقتصاد؟

إن تلك المدارس تختلف فيما بينها بشأن الأهمية التى تعطيها لموضوع الاقتصاد الإنتاجى فى مواجهة الاقتصاد الاستهلاكى، بشأن تركيبة المجتمع وهل هو مكون من أفراد أم من طبقات، بشأن مقدار الدور الذى يجب أن تلعبه الحكومات فى تنظيم الاقتصاد وحمايته من جشع الفاسدين ومنع دخوله فى أزمات دورية، بشأن مقدار الرعاية الاجتماعية من قبل الدولة لحماية الفقراء والمهمشين، بشأن السياسات الضريبية لمنع التفاوتات الهائلة فى الدخل والثروات.

هناك اختلافات كثيرة، السؤال: هل فكرت دول مجلس التعاون فى الإنماء إلى واحدة من المدارس الاقتصادية، حتى ولو عدلت أو حتى أسقطت بعضا من تفاصيل تلك المدارس؟ أى أنها تفضل أن تأخذ الأفضل من كل مدرسة وتدمجها فى نظام وفكر اقتصادى صالح لهذه المرحلة التاريخية التى تعيشها؟

إذا كانت دول مجلس التعاون تهدف إلى وحدة اقتصادية فى المستقبل، كما ينص عليه نظامها الأساسى، أفلم يئن الآوان لعقد حلقلات نقاشية على مستوى أمانة مجلس التعاون، تضم علماء الاقتصاد الخليجيين والعرب ومراكز الأبحاث ومؤسسات المجتمع المدنى المعنية من قبل النقابات وغرف التجارة والصناعة ولممثلين عن الوزارات الحكومية المعنية، لتبدأ بوضع تصور، لا عن خطوة صغيرة هنا أو توحيد جزئى هناك، وإنما تصور علمى موضوعى شمولى مستقبلى لاقتصاد إنتاجى ــ معرفى قيمى وإنسانى حديث تتبناه دول المجلس وتلتزم ببنائه بصورة تدريجية تراكمية متناغمة، مع التأكيد بالالتزام على ارتباطه الوثيق بالاقتصاد العربى فى المستقبل القريب.

•••

ثانيا: إذا تمت تلك الحلقات النقاشية فمن الضرورى تبنى منطلقات فكرية وممارسات عملية لا تخرج من تحت عباءة شعارات وممارسات الفكر الاقتصادى الرأسمالى القومى المتوحش الذى يراد فرضه على العالم باسم الليبرالية الجديدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved