فقهاء المهرجانات وثقافة الزى الموحد

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 17 يوليه 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

لا أعرف لماذا لم تفكر وزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم فى الدعوة لاجتماع مع الفنانين والمثقفين العاملين فى القطاع المستقل أو ما تبقى منه لتستطلع الآراء فى القرار الذى أصدره الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أخيرا بشأن تنظيم المهرجانات والاحتفاليات الثقافية.
والقرار بصيغته المعلنة غامض ومطاطى وكارثى بالمطلق لأنه يفتح أبواب التأويل ويخضع لتفسيرات فى أغلبها ليست فى صالحه بالمرة وكما يقولون قرار فى ظاهره الرحمة وباطنه العذاب لأنه يريد أن يضع للمهرجانات «وحدات للقياس» أو «باترون» موحد ليتحول المهرجان إلى مناقصة لتوريد (فنانين وجمهور) حسب الطلب وعلى الراغب فى الفوز بها الالتزام بـ«كراسة الشروط» والارشادات التى يضعها فقهاء الأجهزة البيروقراطية.
الغرض المعلن من قرار رئيس الحكومة «تنمية الإبداع والحفاظ على الهوية الثقافية المصرية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتفعيل التبادل الثقافى بين مصر ودول العالم كما صرحت وزيرة الثقافة بذلك، وهذا كلام جميل لكن ما لم تشر اليه التصريحات هو ان القرار سيفتح الباب أمام عقبات بيروقراطية من شأنها التضييق على الكثير من مبادرات العمل الثقافى الأهلى ولدى الوزارة سوابق كثيرة فى هذا المجال لا داعى لسردها.
وبمقتضى هذا القرار «لا يجوز إقامة مهرجان أو فعالية ثقافية إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة»، وسيتم من خلال تشكيل «اللجنة العليا الدائمة لتنظيم إقامة المهرجانات والفعاليات الثقافية»، برئاسة وزير الثقافة، وعدد من الخبراء فى المجالات الثقافية والفنية المختلفة من غير العاملين على إدارة المهرجانات، ورؤساء النقابات الفنية والأدبية، وممثلين عن عدة وزارات، بهدف تبسيط الإجراءات وضمان الشفافية والنزاهة يقوم باختيارهم الوزير المختص».
والأكيد أنه من الصعب ان نضمن التزام هذه اللجنة المزمع تشكيلها بمواعيد اجتماعات دورية للنظر فى الطلبات المقدمة لتنظيم مهرجانات كما أنه من الصعب الحديث عن آلية للتنفيذ فى غياب لوائح تنفيذية مفسرة للقرار وهنا مربط الفرس. فالشروط المعلنة للحصول على الموافقات كما تابعت فى الصحف تنطبق عليها حكمة الفنانة يسرا «يا ختى كده ينفع وكده ينفع».
لكنها تبدو تعجيزية خاصة أمام الفرق الصغيرة التى تحتاج للدعم والتشجيع وكانت من علامات الحيوية التى رسمت ملامح الثقافة المصرية أخيرا ويبدو أنه بات من المطلوب وقف نموها فى المجال العام.
فضلا عن وجود شرط مراجعة المحتوى قبل الحفلة، وهذه الصلاحية غير الدستورية فى حد ذاتها، تشجع على الطعن فى القرار كما أوضح محمود عثمان المحامى فى تقرير صحفى نشره «مدى مصر».
وهناك أيضا مادة تعطى اللجنة الحق باقتحام الحفلة أثناء فعالياتها، ما سيسبب إرباكا كبيرا لكل من يفكر فى تنظيم حفلة هذا بخلاف بنود تقديم اقرارات وبيانات عن الجمهور والمكرمين.
وإذا كان البعض وأنا منهم قد طالب وزارة الثقافة فى أكثر من مناسبة بتنظيم فوضى المهرجانات التى تناسلت فى السنوات الأخيرة، فليس معنى ذلك أن تمتد يد الوزارة لمن هم خارج سلطتها التنفيذية.
وكل مطالب التنظيم والتنسيق ومراقبة أوجه الصرف التى طرحت كانت تتعلق بالمهرجانات التى تتولى الوزارة دعمها بشكل مباشر دون أن تحقق أيا من أغراضها المعلنة والاصل فى أى عمل عام هو المراقبة والشفافية والحساب وليس ترك الامور دون ضوابط ما يعنى أن وجود فساد فى أى مهرجان أمر يعنى بالضرورة محاسبة المسئول وليس التدخل بقرار لشل العمل الثقافى.
ومن غير المفهوم ان يكون طموح الوزارة هو التضييق وليس الاتاحة ومن المدهش حقا ان الوزارة وهى تعانى تاريخيا من تضخم فى الجهاز البيروقراطى وفشل مزمن فى تنظيم المهرجانات التى تتبعها مباشرة تريد ان تضيف إلى مهامها أعباء جديدة دون ان يكون لديها الكوادر المؤهلة لمثل هذه المهام فالمهرجانات صناعة بحد ذاتها وفى أغلب الدول المجاورة لا تعتمد بالضرورة على وزارات الثقافة وغالبا ما تكتفى الدولة وهيئاتها بـ«الرعاية» بينما يعتمد التمويل على دعم الرعاة وعائد بيع التذاكر وهى خبرة مهمة كان المجتمع المدنى فى طريقه لبلوغها إلى أن جاء هذا القرار ليقطع عليه الطريق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved