مع الحجيج.. بعيدا عن السياسة

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 17 أغسطس 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث شهير «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فانبرى رجل من الحاضرين يلج عليه ثلاث مرات بسؤال يضر به نفسه ويضر به الأمة الإسلامية كلها فيقول: «أفى كل عام يا رسول الله» فليمتنع النبى صلى الله عليه وسلم إجابته وهو يكرر السؤال مرة أخرى وكأنه يستنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر أو إجابة لا يريدها ضجر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رد قائلا: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم».
وهذا السائل يمثل فريقا من المسلمين فى كل عصر يريد أن يشدد على نفسه وعلى الناس.. وقد يسعد بهذا التشديد، ويظن أنه يعنى القوة فى الدين وصلابة التمسك بالشريعة.. وقد يرفض التيسير على نفسه أو جماعته أو أمته أو حتى الأجيال القادمة.
ولكن الرسول الرحيم بأمته والذى يدرك ضعف قدرات الناس وقلة إمكانياتهم ويعلم أن أمته سوف تبلغ آفاق الدنيا كلها، فبعضها سيأتى من الصين شرقا أو أمريكا غربا وجنوب إفريقيا جنوبا والولايات الإسلامية فى روسيا شمالا، ويشق على هؤلاء الحج مرة واحدة، فكيف لو كان كل عام وكيف سيجتمع المسلمون جميعا فى هذا المكان الضيق فى كل عام.
وهكذا ينبغى أن يكون نظر القائد الحصيف الحكيم، فهو يقرأ الماضى قراءة صحيحة ويقرأ الواقع والحاضر قراءة صحيحة ويستشرف المستقبل استشرافا دقيقا.
والقائد الذى لا يحسن هذه الثلاثة لا يصلح قائدا ولو تأملنا تكرار السائل للنبى وإلحاحه عليه فى المسألة لوجدناه نموذجا يتكرر دائما حتى فى الدول العربية وكذلك فى الحركة الإسلامية المعاصرة لما يمكن أن تسميه «الاستكراه الأدبى للقادة».
وهذا ما حدث مع الرسول عليه الصلاة السلام فى غزوه أحد.. فقد قرر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه كبار القوم من ذوى الخبرة السياسية والعسكرية العريقة أن يقاتل المشركين داخل المدينة، وكان هذا الرأى صائبا ودقيقا إذ أن القتال داخل المدن يمثل دفاعا ذاتيا للجيوش الوطنية التى تأوى إليها، ويخصم من قوة العدو المهاجم كما حدث مع فشل الجيش الإسرائيلى فى اقتحام السويس ونجاح أبطال وقادة الجيش الثالث الميدانى بالتعاون مع أهل السويس بقيادة الشيخ حافظ سلامة فى صد الهجوم على السويس.
فالمدن تقاتل مع أهلها وتذود عنهم،فكتيبة الدبابات فى الصحراء لها قوة نيران هائلة ولكنها داخل المدن لا تساوى إلا دبابة واحدة.
ولكن شباب الصحابة ممن فاتهم شهود غزوة بدر كانوا متحمسين لقتال المشركين فظلوا يمارسون ضغوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل السبل الأدبية والمعنوية حتى رضخ لرأيهم وخرج بجيش المسلمين من المدينة فحدث ما حدث ووقع القتل فى خيره أصحابه وعلى رأسهم أسد الله وأسد رسوله وتم التمثيل بجثثهم.
سرحت بخيالى طويلا وتذكرت كيف أن الشباب المتحمس عادة ما يدفع الدعاة والقادة إلى الصدام مع الدولة، ويستكرههم أدبيا ومعنويا، وقد يصف بعض هؤلاء بالجبن والخور والخوف والركون إلى الدنيا إذا لم يصطدموا بدولهم وحكوماتهم.
اللهم اهد شباب المسلمين، واجعل حماستهم تمتزج بحكمة وحنكة العلماء والحكماء الذين يدعون بالعفو وينادون بالصلح ويرغبون فى العفو ويعشقون حقن الدماء ويحبون السلام ويتصالحون مع الجميع، وينشرون الرفق ويدعون إليه ويبغضون فى العنف وينفرون منه.. ويحسنون قراءة المصالح والمفاسد والموازنة بينهما ويقرأون جيدا فقه الواقع وفقه الأولويات، ويخلطون الحق بالرفق، والصدع بالحق مع الرحمة بالخلق، ويحبون الحق سبحانه ويرحمون الخلق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved