عصر الهيمنة الإسرائيلى

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 17 أغسطس 2020 - 11:35 م بتوقيت القاهرة

بحسب العديد من المراقبين، هناك أسباب عديدة دفعت دولة الإمارات العربية إلى تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ربما يكون على رأسها مواجهة ما تراه الإمارات مع بقية دول الخليج من تفاقم خطر التهديدات الإيرانية لأنظمة الحكم فيها، خاصة مع سعى طهران الحثيث لامتلاك أسلحة نووية، إضافة إلى طموح الإمارات فى لعب دور إقليمى واسع يعزز من موقعها كمركز مالى وتجارى عالمى.
لكن تقرير نشرته صحيفة «فورين بوليسى» الأمريكية كشف النقاب عن أن تطبيع العلاقات بين البلدين جاء بعد 20 عاما من العلاقات السرية المزدهرة، بدأت فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث تبين أن منفذى العملية استخدموا بنوك الامارات فى تمويلها، وهو ما دفع الإمارات إلى اللجوء لشركات إسرائيلية متخصصة فى الأمن السيبرانى، وتطور الأمر إلى إقامة علاقات متينة مع بنوك ومؤسسات مالية إسرائيلية، حتى وصلت العلاقات إلى مستوى أكبر تجاوزت التعاون الوثيق فى مراقبة لحواسب آلية وأمن المطارات، إلى الشحن وتحلية المياه والتكنولوجيا الزراعية والعقارات والسياحة.
كل التوقعات تؤكد ان قطار التطبيع الإسرائيلى مع الخليج لن يتوقف عند محطة الإمارات، هناك عواصم خليجية أخرى على الطريق، قد تكون البحرين أولها وقد تأتى السعودية متأخرة قليلا لكنها بالطبع ستكون الجائزة الكبرى التى تتطلع إسرائيل للفوز بها نظرا لمكانتها الاقتصادية والدينية الكبيرة فى العالم الإسلامى.
دول الخليج بالنسبة لإسرائيل لها أهمية استراتيجية كبرى، ستحقق من خلالها العديد من الأهداف، فعلاوة على تطلعها لبناء تحالف سياسى وعسكرى معها لضرب إيران إن أمكن، أو على الأقل حصارها اقتصاديا على أمل سقوط النظام الحاكم فيها بفعل تفاقم الازمات الداخلية، فالسوق الخليجية ستكون مفتوحة على مصراعيها للمنتجات الإسرائيلية وخاصة التكنولوجية منها، إضافة إلى الاستفادة من الاحتياطات المالية والبترولية الضخمة فيها، والأهم من كل ذلك هو الضغط على دول الخليج وإغراؤها لتوطين اكثر من 3 ملايين فلسطينى فى أراضيها لتتمكن إسرائيل من تنفيذ ما تبقى من بنود «صفقة القرن» وإعلان إسرائيل دولة اليهود الكبرى!
كل هذا التغلغل الإسرائيلى فى عالمنا العربى الذى يسعى للهيمنة على كل مقدرات الإقليم، لم يكن ليتحقق بكل هذه السهولة لو لم نكن قد ارتكبنا العديد من الأخطاء الكارثية خلال مواجهاتنا مع إسرائيل، بدأها عبدالناصر بالطنطنة الفارغة حول إلقاء إسرائيل فى البحر دون ان يكون مستعدا عسكريا والتى انتهت بهزيمة 67 المذلة، ثم إعلانه انه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» للاستمرار فى تأسيس مرحلة جديدة من نظامه الديكتاتورى بدلا من التبشير بقيم ديمقراطية شعبية فى مصر كانت ستنتقل بالضرورة لكل الدول العربية، لتفتح الباب أمام الشعوب العربية للمشاركة فى صنع القرار السياسى، ثم إعلان السادات بعد انتصارات 1973 أن حرب اكتوبر هى آخر الحروب، وأن أمريكا تمتلك 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط، نهاية بغزو صدام حسين للكويت الذى فتح المجال أمام احتلال العراق ثم تمزيقه وإخراجه من معادلة الأمن فى الخليج.
الرهان الآن على الأجيال القادمة لبناء إستراتيجيات جديدة لمواجهة المخططات الأمريكية ــ الإسرائيلية، فكل موازين القوى الحالية لن تتيح بناء نظام اقليمى عربى جديد، ولن تسمح ببناء تحالفات عربية قوية، ولا حل الاشكاليات مع إيران، فمسلسل الهوان العربى سيظل مستمرا حتى تشرق شمس الحرية على إقليمنا التعيس!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved