درس من كابول

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 17 أغسطس 2021 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

لم يخطئ جو بايدن عندما صرح قبل ساعات أن الولايات المتحدة لم تذهب لأفغانستان لبناء دولة، لكنها كانت فى المقام الأول تحارب تنظيم القاعدة الذى أدمى قلبها بأحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، ونظرا لأن أفغانستان كانت تحت ولاية حركة طالبان، وشكلت الملاذ الأمن لتنظيم القاعدة، وزعيمه أسامة بن لادن، فاختارت واشنطن الحرب فى أفغانستان.
وتشير تقارير غربية إلى أن حركة طالبان لم تكن تستهدف الأمريكان، كل ما حدث كان مفاجأة بالنسبة لها، فقد خطط تنظيم القاعدة للهجوم على الولايات المتحدة، عن طريق أشخاص من خارج أفغانستان، وحشد موارد خارجية للعملية، ولم تكن طالبان على علم بذلك. أيا كان صحة هذه المسألة، فقد استطاعت واشنطن بتدخلها العسكرى، ومئات مليارات الدولارات التى أنفقتها، والتعاون الاستخباراتى الكثيف مع دول العالم كله أن تفكك تنظيم القاعدة، وتحد من قدراته، وتعقبت زعيمه أسامة بن لادن، وقتلته فى مخبأه فى باكستان، والتى منذ فترة طويلة رغم أنها حليف استراتيجى للولايات المتحدة، وحصلت على مليارات الدولارات تحت لافتة محاربة الإرهاب، لم تتخل عن علاقاتها مع طالبان، والتشكيلات القبلية المساندة لها، وهو ما يذكرنا بالخلاف بين الرئيس الأفغانى السابق حامد كرازاى ونظيره الباكستانى برويز مشرف، والذى اهتمت به الدوائر السياسية الأمريكية.
بالنسبة للولايات المتحدة حققت الهدف الذى خرجت لأجله، أما بناء نظام سياسى مختلف، وجيش أفغانى، فلم يتحقق ذلك على مدار عشرين سنة، رغم الأموال الطائلة التى أنفقت، وكانت النتيجة هى إعادة استيلاء حركة طالبان على أفغانستان فى سهولة ويسر وسرعة لم تكن متوقعة على هذا النحو. ويكفى مشهد الناس تتساقط من الطائرة الأمريكية بعد تعلقهم بها فى محاولة يائسة وغير ممكنة للفرار، لإثبات أن خبرة الاحتلال، والتدخل العسكرى الخارجى لا تبنى دولا، ولا تضفى استقرارا على مؤسسات سياسية، ولا تؤسس جيوشا أو قوى أمنية. هذا ما قاله بايدن إن النخبة السياسية، وقوى النظام الأفغانى العسكرية والأمنية لا تريد أن تحارب طالبان، ورغم غياب الحتميات فى السياسة إلا أنه لو ظلت القوات الأمريكية فى أفغانستان عشرين سنة أخرى فقد نواجه نفس النتيجة.
اتفاق الخروج الأمريكى من أفغانستان عقده الرئيس السابق دونالد ترامب، وذلك لضمان عدم استهداف المصالح الأمريكية، أو احتضان طالبان للتنظيمات الإرهابية.
وهو دأب البرجماتية الأمريكية الدائم، ولا عزاء للرهان على الخارج، لكن كل ما يبدو أن طالبان على الأقل من تصريحات ممثليها للإعلام الدولى أنها تعلمت من دروس الماضى، وأهمه عدم الاقتراب من المصالح الأمريكية من ناحية، بل ورعايتها لها، مقابل أن تنفرد بالحكم وفق تصوراتها، ومنهجها، حتى لو أزعج ذلك الآخرين.
قد نرى طالبان مختلفا فى الشكل لا المضمون، ونجد ملعبا جديدا لتفاعلات القوى الكبرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved