طلابنا واللغة العربية
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 17 أغسطس 2024 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
للغة قيمة جوهرية فى حياة الشعوب، فهى الأداة التى تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم، وهى الترسانة التى تحمى الأمة وتحفظ هويتها وكيانها، وتحميها من الضياع أو التوهان بين الحضارات والأمم، فما بالك باللغة العربية سيدة اللغات، ورمز وهوية الدول العربية، فلا تجاريها أو تعادلها لغة أخرى.
جزء من هويتنا المصرية هى لغتنا العربية ويجب أن نعترف أن لغتنا العربية فى مصر فى حالة يرثى لها، رغم أن الأجيال السابقة وفى عز الاستعمار الإنجليزى كانت لغة راقية نطقًا وكتابة، كان فى ذلك الوقت ما يُعرف بالكتاتيب التى خرجت فطاحل وعلماء ومشاهير القراء فى تلاوة القرآن الكريم وأصواتهم الرنانة ملأت الدنيا كلها وتعيش معنا إلى اليوم، وميزة هذه الكتاتيب تدريس قواعد وأصول اللغة العربية ويحصل الخريج على الإجازة فى تلاوة القرآن بأحكامه وقراءاته ومن مشاهير خريجى الكتاتيب رفاعة الطهطاوى وطه حسين وغيرهما كثر
أما اليوم قلما نجد خريج جامعة باستثناء بعض الكليات التى لها علاقة باللغة والدين يقرأ أو يكتب لغة عربية سليمة، بل شباب اليوم يكتبون على وسائل التواصل الاجتماعى اللغة العربية بالحروف اللاتينية مع تحوير بعضها. وللأسف حتى بعض الوزراء والمسئولين يخطأون أخطاء فادحة. فى خطبهم أو بياناتهم ولغة «الفرانكو» هى إحدى اللغات التى ابتكرها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعى، وفى مقدمتهم الشباب، فهى لغة يتم نطقها باللغة العربية إلا أن الحروف المستخدمة فى الكتابة هى الحروف اللاتينية، فيما يتم استخدام بعض الأرقام للدلالة على حروف معينة فى اللغة العربية. لا تعدو عن كونها تقليعة شبابية يستخدمها الآن الكبار.
أما طلبة المدارس «الدولية» أو «الغالية» فأغلبهم مصريون، لكن اللغة العربية ليست إجبارية، فالنتيجة أننا ننتج جيلًا من «الخواجات المصريين» ويضطر الأهل لجلب مدرس خصوصى فى البيت لتعليم أبنائهم لغة بلادهم، رغم أن هؤلاء من شريحة أبناء رجال مال وأعمال وصناعة وغالبًا سيرثون آباءهم، كيف سيكتبون فى المستقبل شيكًا أو يعملون توكيلًا أو يقرأون الصحف؟ سيكونون دائمًا على هامش المجتمع المصرى ومجرياته. على وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم، والمؤسسات المسئولة الحفاظ على اللغة العربية فى الدولة، فالحفاظ على اللغة العربية بمثابة حفاظ على الهوية، وقضية دولة.
مع الإصلاح التى تباشره وزارة التربية والتعليم فيما يخص الثانوية العامة أتمنى أن يتم إصلاح ما قد فسد فى تعليم لغة بلادنا وذلك بشكل عاجل قبل أن يصيبها مزيد من التشوة، والبداية تكون من المنهج حتى يكون حديثًا وجذابًا للأطفال والشباب، كما أطالب الجامعات فى مختلف الكليات أن تدرس اللغة العربية ولا يتوقف ذلك عند التعليم الثانوى بل يستمر فى الجامعة من خلال دورات تعليمية وكذلك تثقيفية، لأنه من غير المعقول أن خريج كلية طب أو أعلام أو آداب أو غيرها يكون ضعيفًا فى لغة بلاده التى يتعامل بها علينا إصلاح موضوع لغتنا العربية بشكل عاجل قبل أن يصيبها كثير من التشوه.
أطالب بشدة بلجنة من أساتذة اللغة العربية والمتخصصين فى التربية لوضع خارطة طريق لإنقاذ لغتنا العربية فى مصر، فمن العيب أن تكون دول عربية، مثل سوريا ولبنان والأردن وغيرها محافظة على اللغة نطقًا وكتابة، ويتخلف المصريون فى هذا الأمر.