«رجعونا الماضى بعذابو وبقساوته.. »

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 17 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا يملك الحكام الجدد فى تعاملهم مع من أدركوا أنه يمتلك قدرا من السلطة قد يهدد ذات يوم «أمنهم وسلامهم»، سوى استعمال أسلوب الترغيب أو الترهيب. ويفوتهم أن التصرف على هذا الشاكلة إنما يحيى الذاكرة فيتم استرجاع ما جرى فى سالف العهد مع إعلاميين وفنانين ومثقفين وغيرهم ممن تجرأوا على التعبير عن مواقفهم فإذا بهؤلاء الحكام يعملون بقول الست: «رجعولى الماضى.. وبعذابو وبقساوتو.. فليه بيفكرونا» بأيام بن على وحملاته المسعورة ضد الأصوات المغايرة وتقويضه لمنظومة الحريات، وعلى رأسها: حرية التعبير.

وبقدر ما يكره الحكام استرجاع سيرة بن على والمقارنات التى تعقد فى كل مناسبة، بين ما كان عليه حال التونسيين وما آل إليه أمرهم، على الأقل أمنيا واقتصاديا فإنهم يعملون بوعى أو عن غير وعى وبقصد أو عن غير قصد على ترسيخ بنية الفساد المحكمة والمركوزة منذ عهود، والتى استعادت فاعليتها بعد شهور قليلة من «الجمود» بسبب مناخ فرضته الأسابيع الأولى من الثورة بشر بحرب ضروس على مأسسة الفساد. وعلى رأى الست: «رحنا وتغيرنا احنا.. إلا هو»، بقى نظام بن على بترسانة آلياته الجهنمية حاضرا بقوة.

وحين تفشل وزارة حقوق الإنسان بعد كل المال المهدور على المؤتمرات والدورات التكوينية ومحاولات صياغة المشاريع.. فى إقناع الحكومة وأعضاء المجلس التأسيسى بأهمية تطبيق مشروع العدالة الانتقالية وضرورة المبادرة بتنفيذه تغدو المسألة بيد الحكام الجدد الذين يتصرفون وفق ما جادت به القريحة وقلما جادت على أصحابها بحلول عملية ومقترحات تكرس الممارسات الديمقراطية المنتظرة.. وكأنهم باستعادة نفس الآليات، التى كانت معتمدة وبإعادة إنتاجهم لجيل من الخانعين، الذين يكتفون بتقديم الولاء وآيات الطاعة إنما تفننا يثبتون عجزهم عن تحويل مبادئ الديمقراطية وشعارات طالما رددوها عن ظهر قلب إلى ممارسات عملية، ويؤكدون مرة أخرى عدم قدرتهم على ابتكار آليات جديدة واستراتيجيات مختلفة عن تلك التى أنتجت زمن بن على فهل هو العقم الذى أصاب الجماعة أو التواكل على خبرات من سبقهم أو الوقوع تحت أسر منظومة أحكمت قبضتها على الجميع إلا من رحم ربك.. وعلى رأى الست: «حياتى بعدك مستحيلة»، فهل الحياة خارج منظومة تفنن نظام بن على فى ابتكارها أضحت مستحيلة؟

نسوق هذا الكلام بعد الحملة الممنهجة على الإعلاميين ففى 18 أغسطس 2013، تمت ملاحقة الصحفى مراد المحرزى، بتلفزة الواب «أسطرلاب»، قضائيا لتصويره للممثل نصر الدين السهيلى، وهو بصدد إلقاء بيضة على وزير الثقافة. وصدرت يوم 13 سبتمبر بطاقة إيداع بالسجن فى حق الصحفى زياد الهانى، وتتمثل التهم الموجهة له فى «نسبة أمر غير قانونى لموظف عمومى أو ما شابه دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك»، وذلك على أثر إدلائه بتصريحات حول تصرفات وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس على القناة الخاصة «نسمة». أما الصحفى زهير الجيس، فقد مثل أمام قاضى التحقيق مع إبقائه فى حالة سراح. وقد نسب لزهير «إذاعة أخبار زائفة من شأنها تعكير الصفو العام وإهانة رئيس الجمهورية. ويأتى هذا الاتهام على خلفية ما صرح به محلل سياسى لبنانى فى برنامج إذاعى لزهير الجيس من أن المرزوقى يواصل تسلم أموال من قطر عن طريق قناة «الجزيرة». وفى نفس الإطار وجهَت تهما للطاهر بن حسين، مدير قناة «الحوار التونسى» تتمحور حول الاعتداء على الأمن الداخلى للدولة وتحريض الناس على القتل والعنف وتكوين مؤامرة ضد أمن الدولة الداخلى و«الاعتداء المقصود منه قلب هيئة الدولة»، وذلك بعد دعوته عبر الإعلام إلى العصيان المدنى والانتقام له إذا ما تم اغتياله، وقد عينت جلسة فى الغرض يوم 30 سبتمبر.

فى ظل هذا السياق المتسم بتعدد الإجراءات القضائية المتخذة ضد الصحفيين فى محاولة لوضع اليد على الإعلام التونسى خاصة بعد التسميات الأخيرة فى مواقع هامة داخل المؤسسات الإعلامية العمومية وخاصة الإذاعات. نردد ما قالته الست: «فكرونى ازاى أنا امتى نسيتك»، وهل بمقدورنا أن نؤسس لغد أفضل؟ ونهتف: «ليه نضيع عمرنا هجر وخصام.. واحنا نقدر نخلق الدنيا الجميلة».

 

أستاذة بالجامعة التونسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved