ثلاثة شروط لتفعيل الحراكات العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 17 سبتمبر 2015 - 4:40 ص بتوقيت القاهرة

هناك ثلاث نقاط كانت ومازالت بحاجة لأن تؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لكل ما حدث فى وطن العرب عبر السنوات الأربعة الماضية وبالنسبة لما ينتظر أن يحدث فى المستقبل القريب. وإذا كان شباب وشابات الأمة العربية عازمين على الاستمرار فى هز المجتمعات العربية من أجل إرجاع الوعى وإرادة النهوض فيها فإن أخذ هذه النقاط الثلاث بعين الاعتبار سيجنبهم ارتكاب المزيد من الأخطاء والانتكاسات.

النقطة الأولى: ما لم يصبح أحد الضوابط الرئيسية لكل الأحداث المحلية التى تجرى فى هذا القطر العربى أو ذاك انسجام تلك الأحداث مع المصلحة العربية المشتركة والأسس الوحدوية للأمة العربية الواحدة وللوطن العربى الواحد.. ما لم يوجد ذلك الضابط فإن أى حراك شعبى إصلاحى أو ثورى سيتيه فى أزقة كل مجتمع عربى على حساب الطرق الكبرى للمصلحة العربية المشتركة العليا. خصوصية الوضع الداخلى تحتاج أن تنسجم مع عمومية الثوابت القومية الكبرى.

ولذلك ففى أقطار من مثل العراق وسوريا وليبيا، على سبيل المثال، ما الفائدة من كسب الجماهير لهذا المطلب الحقوقى أو المعيشى أو ذاك إذا كان ذلك على حساب وحدة وعروبة ذلك القطر وفاعلية دوره فى الساحات العربية المشتركة؟ وبالتالى على حساب أهداف الأمة فى التحرر المشترك والنهوض المشترك ووحدتها؟

النقطة الثانية: أن انقسامات وصراعات قوى المجتمع العربى المدنى، وعدم قدرتها على الاتفاق حول أهداف مرحلية مشتركة واحدة تناضل من أجلها إلى أن تتحقق تلك الأهداف المشتركة، وبالتالى عدم قدرتها على وضع خلافاتها جانبا إلى أن يتحقق المشترك.. إن ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية لانتكاسات كل حراك شعبى كبير فى الأرض العربية. وهو الذى قاد إلى ضعف فاعلية المجتمع المدنى فى الحياة العربية.

وهو الذى هيأ لقوى أخرى، من مثل الجيوش أو القوى الأجنبية أو التنظيمات القبلية والطائفية، للاستيلاء على الساحات المجتمعية العربية. وهى، أى قوى المجتمع المدنى، تعرف أن تلك الانقسامات فيما بينها هى انعكاس لانقساماتها وأمراضها الداخلية، من مثل غياب الديموقراطية فيها وهيمنة جماعات صغيرة عليها، لكنها لا تفعل شيئا يذكر لا بالنسبة لإصلاح نفسها ولا بالنسبة للتكاتف مع بعضها لمواجهة المستبدين والفاسدين والمجانين الانتهازيين.

وهذا الأمر ينطبق على المستويين القطرى الوطنى والقومى العربى المشترك.

***
النقطة الثالثة: إن النقطة السابقة المتعلقة بضعف قوى المجتمع العربى المدنى قد قادت المجتمعات العربية إلى وجود ظاهرة فريدة فى حياتها السياسية. لقد أصبحت حياتها السياسية معتمدة بصورة مفجعة على قوى تواجد الجيوش ومقدار فاعليتها فى الحياة الداخلية.

إن ما حدث فى العراق من انهيار تام للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمجرد حل الجيش العراقى من قبل المحتلين الأمريكيين، وانهيار المجتمع العراقى أمام تدخل كل من هب ودب فى الداخل والخارج، والصعود السريع المذهل للقوى الطائفية والعرقية والقبلية وتنظيماتها الميليشية.. إن كل ما حدث فى العراق أظهر كم كان المجتمع العراقى يعتمد فى تماسكه وعيشه المشترك على الجيش بدلا من اعتماده على قواه الذاتية وحيوية مكوناته.

ويمكن أن نرى مماثلة لما جرى فى العراق، وإن بصور مختلفة وتأثيرات متباينة، ما جرى فى سوريا وليبيا واليمن ولبنان ومصر وتونس، بل وكل الأقطار العربية التى لامستها رياح الربيع العربى.

ولذلك فمثلما أن عافية الدول تعتمد على مقدار التوازن المعقول بين سلطات حكم الدولة وسلطات قوى المجتمع، ففى الحالة العربية يجب إضافة توازن قوى المجتمع مع سلطات ونفوذ وتدخلات المؤسسات العسكرية والأمنية.

***
لقد أصبح هذا الموضوع كابوسا فى الحياة العربية وأصبح من أوجب واجبات شباب وشابات الأمة العربية أن يعملوا على إخراج الأمة من هذا الكابوس التاريخى.

إن قدر جيل الأمة الحالى أن تختاره الأقدار لحمل مسئوليات هى أكبر وأثقل وأعقد من أية مسئوليات حملتها الأجيال العربية السابقة. ونحن نشفق على هذه الأجيال عندما نحملها كل تلك المسئوليات، لكن الأوضاع العربية قد أوصلها المستبدون والفاسدون وهمج الجهاد التكفيرى إلى حالة البؤس التاريخى وحالة المآسى الإنسانية الكبرى.

وهذه أوضاع ستحتاج إلى جيل من نوع خاص وإلى التزام من نوع خاص وإلى تفاعل وتكاتف مجتمعى مع هذا الجيل هما الآخران من نوع خاص.

وسيكون مفجعا لو أن القوى المعنية لم تساند تكوِن هكذا جيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved