فى حضن الأرض

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 17 سبتمبر 2017 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

أنت لست حالمًا وحتى لو كان هذا حلمًا فما الضرر … أما إذا راح الحلم وتصورت أنه لن يتحقق أبدا فلا ضرر أيضا من أن تستمر فى الأحلام.. فالآن أو اليوم وفى هذه اللحظة لا يملك الكثيرون إلا أن يستمروا فى أحلامهم وهم غاضبون على الأمل أنها لا بد أن تتحقق يوما أو أن توضع تحت تلك الأرض ويكتب على شاهد قبرك أن فلانا أو فلانة كانا يحلمان.. ثم يرمى التراب وترص الحجارة وتبقى أنت وأحلامك حبيسى القبر ربما أو تحلق كل تلك الأحلام المتراكمة لتطارد آخرين وتستقر فى قلوبهم قبل عقولهم ربما!!!

تسافر بعيدًا وأنت تعلم أن للسفر أو الرحيل مزاياه العديدة وأولها أن تطلع على حال وأوضاع شعوب وعادات أخرى وتقاليد وتاريخ عريق وحضارات مختلفة ليست كلها إلا من هذا التراث الإنسانى الرائع لا نجاسة بها ولا كفر كما يصور البعض ذلك أو صور لسنين وجاء الوقت لندفع جميعا أثمانا باهظة لذلك الفكر المنغلق والعقليات المتحجرة رغم حملها لشهادات جامعية وغيرها.

***

فى أسفارك تصادفك شعوب وبلدانا لا بد أن تصيبك بالصدمة ربما نتيجة لما وصل حال بلداننا وشعوبنا.. مدن لا تعرف القمامة المتراكمة ولا انعدام النظام فى كل المرافق ولا الوساطات التى تجعل من يقف آخر الصف فى أوله والجميع ينتظر دوره.. مدن بل جزر يقدس أهلها أرضهم لنسميها ما نحب أوطانا أو دول هى فى نهاية الأمر الأرض التى عاشوا وتربوا عليها وأكلوا من أرضها وشربوا من ينابيعها وتعلموا وتعالجوا فى مدارسها الحكومية ومستشفياتها حيث للدولة دور غير بيع البلد فى المزاد العلنى بأسماء مختلفة ومنها الخصخصة واقتصاد السوق ودور المجتمع والقطاع الخاص … إلخ.

***

شعوب تفضل أن تبقى تحرث فى أرضها التى تجنى عليها مداخيل متواضعة على أن تبيع الأرض وترحل لتنتمى لطبقة مستعدة لبيع الأرض وما عليها من ثمار وثروات حتى نسائها أيضا من أجل ما يسمونه تنوع «مصادر الدخل» والانفتاح والسياحة التى أصبحت فى رأى الكثير من واضعى السياسات فى بلداننا قطاع قادر على حل مشكلة بل أزمة البطالة الطاحنة بين الشباب وهم يعرفون حتما أن هذا القطاع هو الأضعف وأن أى هبة من هنا أو هناك تنهيه والأمثلة والنماذج فى بلداننا كثيرة.

***
فى تلك المدن لا ضجيج ولا تلوث سمعى أو بصرى أو بيئى معظم السكان على بساطتهم يخافون على أرضهم فلا يفتحون شباك سياراتهم ليحولوا طرقات مدنهم لحاوية للنفايات !!! بل هم حريصون على نظافة مدنهم وقراهم وجزرهم رغم فقرهم وعوزهم وأزماتهم الاقتصادية التى هى ليست بعيدة عن الأزمات فى دول كثيرة.

هم يعشقون بحرهم فلا يسمحون بأن تتحول شواطئه لإقطاعيات خاصة أو مدن توصد أبوابها فى وجه الفقراء أو حتى الطبقات الوسطى.. ويعرفون أن جبالهم وثرواتهم الطبيعية هى ملك لكل مواطن وعليه أن يكون قادرا على الاستمتاع بها. لكل ذلك فهذه كلها متاحة للمواطن مهما قل دخله. 

***
هم يصدقون ما تربوا عليه وكذلك دينهم فالمتدين يعنى أنه لا يسرق ولا يختلس ولا «يضحك» على المقبل الجديد فيستغله.. ربما هو أو هى لا يكثرون من الصلوات فى الجوامع أو الكنائس ولكنهم يكثرون من تطبيق تعاليم دينهم فى حياتهم اليومية فلا نفاق عندهم فى الدين كما يكثر هنا حتى أصبح كالطاعون حين أصبحت المساجد أكثر من المستشفيات والمدارس وكثر زوارها للصلاة وليس للعبادة والتقرب لله بل ربما متصورين أنهم يحمون أنفسهم من لهيب النار فى الأخرة أو ليعبدوا الطرقات للوصول إلى أنهار الخمر والحوريات!!! شىء مخجل حجم الفروق فى الحوار الدينى بين هنا وهناك.. عندنا وعندهم.. شىء مخجل حتما ومحزن أيضا حجم حبهم لأرضهم على بساطتها وهم يرون فى الأفق مدن التين والمجون والفرص المفتوحة، فلا تغريهم رغم صغر سنين عمرهم ورغم مطاردات الإعلام لهم بكل المغريات من برامج وغيرها.

***
جميل حتما أن تحب أرضك كما هى وتعمل بجد على أن تفتخر بأنها لم تتلوث لا بناطحات السحاب ولا بالمدن المزيفة ولا بكثير من الضجيج الخالى من الجمال والفاقد للشخصية.. رائع أن يكون للمكان شخصيته وأن يحب أهله هذه فيه.. فلا يستخفوا بها ولا يلوثها ولا يغيروا فيها إلا بما يزيدها جمالا وتألقا.. ورائع أيضا أن يستطيع المرء أن يقف عند طرف الموجة مدرك إنه إن ركبها قفز معها عاليا وإن بقى فقد تمر وتمر غيرها ويبقى هو حاضنا أرضه بجمالها النقى الأول دون تزييف أو تلوين أو تهجين..

جميل أن نحب أرضنا وأن نكره النفاق حتى فى حبها!!

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved