(ماما) منحة البطراوى

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 17 سبتمبر 2019 - 11:58 م بتوقيت القاهرة

يشهد مسرح الفلكى عرض مسرحية (ماما) من تأليف وإخراج أحمد العطار ويستمر عرضها حتى مساء الاثنين المقبل وهذه هى المرة الأولى التى تقدم فيها المسرحية بالقاهرة وذلك بعد عرضها فى أكبر مهرجانات المسرح حول العالم، ففى مهرجان أفينيون الفرنسى، حصلت المسرحية على إشادات نقدية واسعة وقامت بجولة فى ٨ مدن أوروبية. وتعتبر «ماما» أول إنتاج مسرح مصرى مشترك مع مهرجان دى أفينيون الذى يمتد تاريخه لـ ٧٢ عامـًا. وهذا بحد ذاته حدث كبير يضاف إلى رصيد مخرجها ومؤلفها احمد العطار الذى يعد احد ابرز وجوه الإدارة الثقافية فى مصر بفضل ادارته الناجحة لفرقة المعبد ستوديو عماد الدين، ومهرجان دى كاف للفنون المعاصرة الذى رسخ وجوده على خريطة المهرجانات المصرية.
وميزة العطار انه يوازن بين وجه المدير الثقافى الناجح والفنان المتمكن من أدواته وقد تابعت عروضه على مدى عشرين عاما وكانت كلها مثيرة للجدل سواء بمضمونها الفكرى المحفز او مهارات صاحبها فى استخدام اكثر من تكنيك مسرحى إلى جانب اشتغاله على تطوير مهارات ممثليه. وهذه المرة يكشف عن ممثلة كبيرة هى الناقدة منحة البطراوى التى تم حصار موهبتها لسنوات فى إطار بعض الأدوار المحدودة مع يوسف شاهين ويسرى نصرالله ثم جاءت المخرجة هالة القوصى وقدمتها فى دور كبير عبر فيلمها (زهرة الصبار) ونالت عنه جائزة احسن ممثلة من مهرجان دبى السينمائى العام الماضى ويقدمها العطار فى دور العمر حيث تؤدى دور (ماما) المتسلطة بنعومة وتمارس ديكتاتورية من نوع خاص نلمسه جميعا فى بيوتنا وداخل أسرنا الكبيرة وتذكر منحة فى طريقة أدائها للدور بالعظيمة مارى منيب التى غلفت سطوتها بكوميديا لها طابعها الفريد، والى جوارها بلغت الممثلة السورية ناندا محمد أفقا متمكنا من الأداء تناغم مع اداء ممثل كبير هو رمزى لينر الذى يؤدى بانضباط ودون أى ثرثرة انفعالية والى جوار هؤلاء شاهدنا فريقا متمكنا من الممثلين الشباب لكنى أعجبت بشكل خاص بالممثل مجدى عطوان الذى يمثل لأول مرة وأدى دور الجد الأرستقراطى ببراعة إلى جانب الممثلة التى أدت دور الخادمة اللعوب والممثلة التى أدت دور (نهى) صديقة الجدة المتسلطة

تدور أحداث المسرحية داخل غرفة معيشة خاصة بعائلة بورجوازية فى القاهرة تمثل ٣ اجيال بين الأرستقراطية التقليدية وسكان المنتجعات الذين فروا من حصار الطبقات الشعبية ويواصلون مسارهم فى الصعود الاجتماعى على حساب طبقات اخرى يتم تهميشها وسحقها لكنهم مع ذلك يكملون دورهم فى الإحسان على الفقراء فى مناسبات تقليدية تصبح موضوعا للوجاهة الاجتماعية فقط لا غير، فالأصل هو وضع الحواجز بين الطبقات والإبقاء على المسافة الآمنة التى تضمن للأغنياء الاستمتاع بامتيازاتهم دون التفكير فى سياسات اجتماعية متوازنة.
ومن خلال هذا العمل الفنى يستكشف العطار العلاقات المتشابكة بين أفراد العائلة البورجوازية. ويؤمن بأن النساء هن المحركات للتغيير المجتمعى فى العالم العربى، لذا فالأمومة تشكل شخصية الذكر، إذ تلعب هذه العلاقة العاطفية دورًا فى استمرارية الأبوية والذكورية فى المجتمعات العربية.
وتبدو كل الشخصيات ضحايا الأدوار التى يلعبونها فى الحياة ولا مجال للتمرد او الخروج على النص وميزة العرض الذى كتبه العطار وأخرجه يأتى من الشعور الحاد بمعنى المفارقة واستيعاب المؤلف لأشكال المحاكاة الساخرة ونجاحه فى إذابة السياسى ووضعه فى نسيج اجتماعى، فالاجتماعى هنا متقدم على السياسى غير انه قادر على إظهاره بوضوح بفضل طريقة كاريكاتيرية فى الأداء المفرط فى مبالغاته المقصودة لإظهار زيف طبقة لا يشغلها التفكير فى الغد وأحسن العطار فى انحيازه فى الجزء الثانى من العرض لتقنيات كسر الإيهام التى جعلت الممثلين يؤدون أدوارهم بمنطق التورط فى لعبة وكان بإمكان هذا العرض ان يصل لأعلى درجات الجمال لولا نهايته التى جاءت مفاجئة اقرب إلى عملية بتر لقدم راقص باليه وجاءت صادمة، كمن يقطع الطريق على نهر عذب لا يريد له ان يصل إلى مصب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved