التركز الائتمانى مرادف للائتمان السياسى

محمد مكى
محمد مكى

آخر تحديث: السبت 17 سبتمبر 2022 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

فى تسعينيات القرن الماضى أفلست بنوك واندمج بعضها واختفت أخرى، وكان السبب الرئيس هو تركز الائتمان وإعطاء محافظ البنوك لعدد معين من الأشخاص، وتنفيذ طلبات منح الأموال بالتليفون دون دراسات أو استعلام أو متابعة للمنح، حيث ارتفع إجمالى الديون المتعثرة إلى أكثر من 120 مليار جنيه بأسعار صرف تلك الفترة.
تحملت الدولة أعباء تلك المحافظ المتعثرة والاموال المعدومة والتى هى فى الأصل أموال عموم المصريين ودافعى الضرائب، وقام البنك المركزى بتصويب تلك الاخطاء مع بداية برنامج الاصلاحى الاقتصادى 2003 واتخذ قرارات تصوب نسب التركز سواء من حيث الاشخاص أو الشركات المرتبطة، مع عمل دراسات ائتمانية ومتابعة لتنفيذ وسداد الاقساط، مع منع اية تمويلات بالعملة الاجنبية لمشروعات لا تدر عائدا بالنقد الأجنبى.
للأسف فى السنوات الاخيرة عدنا لتركز الائتمان وهو مرادف للائتمان السياسى الذى لا تصاحبه احيانا دراسات حقيقة عن السوق والتسويق ومعطيات تخص كل صناعة وأصبحت التعليمات الشفهية احيانا سمة فى اتخاذ القرارات، من هنا عادت نسب التعثر ترتفع مرة اخرى، مع ازمات اقتصادية ضاعفت من مخاطر تعثر متزايدة وليس محتملة، واصبح البحث عن جدولة المديونيات وليس المنح الموجه للتنمية هى الشغل الشاغل للبنوك والتى أصبحت تعانى، ونسب معدل ربحيتها يتراجع.
عودة الائتمان السياسى والتركز الائتمانى لا يتحمله شخص واحد بل منظومة توسعت فى قطاعات على حساب اخرى ومولت مشروعات ذات عائد طويل بتمويل قصير وبعملة صعبة جعلت العجز فى العملة الاجنبية واضحا خاصة فى البنوك الحكومية، وجعلت اخرى خاصة تعانى من تدبير اية تمويلات وتسهيلات بالعملة الصعبة لعملائها، مع قرارات فوقية شلت حركة المنح والتمويل بشكل كامل وعطلت قطاعات كثيرة واصبحت الشكوى هى لسان حال الصناع والتجار ومن قبلهم مواطن يكتوى بنيران الأسعار.
فى مطلع الالفية الحالية مات أحد رؤساء البنوك فى السجن بعد محاكمات طويلة بسبب الديون المتعثرة قدرت ب ـ14مليار جنيه كان معظمها لرجال اعمال كانوا ملء السمع البصر، استخدم عدد غير قليل منهم تلك الاموال فى غير الانشطة الممنوحة لهم تلك الاموال، وتكبد البنك الحكومى تلك الخسائر لعدة سنوات، تلك الواقعة المؤسفة يجب على البنوك حاليا تفاديها مع اتخاذ كل التدابير والقواعد والحذر المبكر فى عدم تكرارها.
وقد طلت علينا قبل نحو عشرة ايام ازمة شركة كابيتر أول شركة ناشئة مصرية بارزة تنهار ــ ولكنها قد لا تكون الأخيرة. وقد تنهار المزيد من الشركات فى الأشهر الستة إلى الاثنى عشر المقبلة. والعديد منها شركات رائعة فى طور النمو، ولكنها قد تفشل بسبب ظروف السوق الحالية، قبل هذه الشركة كان هناك نموذج سلسلة صيدليات 19011، والتى أصدرت المحكمة الاقتصادية حكما بإفلاس الشركة المالكة لها بسبب مديونياتها التى تجاوزت 7 مليارات جنيه أغلبها لبنوك وشركات أدوية. وهى ازمات قد تكون مرشحة للتكرار ومن ثما يجب محاربتها ليس فقط بعمل مخصصات بل بتطبيق القواعد ومراجعة اساليب المنح والمسئول عنها.
الدولة ومن قبها المواطن صاحب المال الحقيقى تحمل اصلاح الجهاز المصرفى وقد رد القطاع واجبه وانقذ البلد وسط هزات مالية عالمية، للمحافظة على سلامة الكيان المصرفى يجب مراجعة عمليات التمويل ومتابعة ما تم منها مع تطبيق القواعد وعدم كسرها لأية جهة، حيث ان تطبيق تلك القواعد هو الملاذ لتفادى اخطار لا يقدر عليها أحد.
القاعدة تقول إن «دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة» ومن ثم لابد من الحذر والخوف ولا اقل الذعر وسماع كل الاطراف فقد يكون فك حالة الاختناق بين الوسط المصرفى ومجتمع الاعمال والاعلام الوطنى المحترم طوق نجاة لمركب لا يتمنى احد تعرضها لاي عواصف او انواء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved