هل حُسم أمر الطفل شنودة؟
رانية فهمى
آخر تحديث:
السبت 17 سبتمبر 2022 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
لو افترضنا أن السيد فاروق فوزى وزوجته آمال وجدا المولود فى الشارع وليس على باب الكنيسة أو داخل حمامها كما تتوارد الروايات، فهل من حقهما أخذه والقيام بتربيته؟
لا، ليس من حقهما، حسب جهات الدولة الرسمية مثل النيابة ووزارة التضامن. لماذا؟ لأسباب دينية وقانونية وإجرائية.
دينية: الطفل مجهول النسب هو مسلم بالفطرة، وبالتالى ديانته الإسلام طالما لم يُستدل على أهله.
(ولن أقول لقيطا لأن هذا المصطلح استُبدل بمجهول النسب فى مناقشات تعديل قانون الطفل، ثم إن لفظ لقيط معناه أن هناك من لقطه فى حين أن الأصح هو أنه طفل متروك).
قانونية: حسب المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الاسلام دين الدولة، وبالتالى مجهول النسب يجب أن تكون ديانته الإسلام؛ لأنه وُجد على أرض من أراضى دولة دينها الإسلام.
إجرائية: لأن الراغبين فى كفالة الطفل يجب أن يستوفوا إجراءات الكفالة/الاحتضان التى وضعتها وزارة التضامن وأهمها حظر التبنى والسماح فقط بالكفالة، وهذا معناه أنهم يجب عليهم عند كفالة طفل أن يعطوه إما اسم الأب بدون لقب العائلة أو لقب العائلة بدون اسم الأب، وذلك لمنع خلط الأنساب. وشرط آخر هام هو أنه لا يجوز كفالة طفل على ديانة مختلفة عن ديانة الأهل أو الكافل.
وإذا أضفنا القيدين الدينى والقانونى لذلك الإجرائى وطبقناه على حالة الطفل شنودة، يُصبح الطفل مسلما بالفطرة ووُلد على أرض الدولة ودينها الإسلام، وبالتالى لا يجوز كفالته من زوجين مسيحيين.
وبهذا، الموضوع يكون مُنتهيا وببساطة يُنتزع الطفل من اللذين كان يعتقد أنهما أهله طوال أربع سنوات، هى عمر الطفل، ويودع فى دار أيتام ويتحول من مسيحى لمسلم ويتغير اسمه ليوسف بدلا من شنودة، ولا يُسمح لـ«أهله» حتى بزيارته فى دار الأيتام، غالبا بحجة الحاجة إلى استقراره نفسيا فى الدار.
• • •
دعونا نقف عند كل مبرر من هذه المبررات:
أولا، أين السند القانونى الذى ينص على أن الطفل مجهول النسب هو مولود مسلم بالفطرة؟ القانون المصرى نص فقط على أن الطفل طالما وُلد داخل الإقليم المصرى يُصبح مصرى الجنسية ما لم يثبت العكس مثل إثبات أنه وُلد خارج مصر والمسئولون عنه أحضروه لمصر للحصول على الجنسية. لكن ليس هناك قانون ينص على أن مجهول النسب، سواء وُجد داخل كنيسة أو فى جامع أو فى الشارع أو أى مكان، يُصبح مسلما بالفطرة. ولماذا لا يُصبح معنى الإسلام بالفطرة هو الإسلام لوجه الله وليس الإسلام كالدين الخاتم للأديان، «وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُۥٓ إِلَى ٱللَهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى ٱللَهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ»، سورة لقمان الآية ــ 22 و«إِذْ قَالَ لَهُ رَبُهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِ الْعَالَمِينَ»، سورة البقرة الآية 131 ــ عندما أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم بطاعته وإسلام وجهه إليه فى كل حال فبادر إلى الامتثال وقال أَسْلَمْتُ لِرَبِ الْعالَمِينَ أى: أخلصت دينى لله الذى فطر الخلق جميعا عليه.
ثانيا، ما هو المقصود تحديدا بالإسلام دين الدولة؟ هل المقصود هو ضرورة انسجام الأحكام والتشريعات والقرارات مع الشريعة الإسلامية أم أن الإسلام دين الأغلبية؟
لو أخذنا بالتفسير الثانى: الإسلام دين الأغلبية، فهو أعم من الأول لأنه يتضمن توجيها عاما لمؤسسات الدولة، ومنها بالطبع وزارة التضامن والنيابة العامة، أنها تأخذ بعين الاعتبار عدم إقصاء باقى الأقليات الدينية؛ لأن الإسلام يضمن حرية العقيدة للآخرين، ولأن هذا التفسير فيه توافق بين المادة الثانية ومواد أخرى فى الدستور مثل المادة 53 التى تساوى بين المصريين أمام القانون، فهم سواء لا تمييز بينهم فى الحقوق والواجبات وإن اختلفوا فى العرق أو اللغة أو الدين، وأن الدولة تلتزم باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز.
وبالتالى فإن المسلم أو المسيحى الراغب فى كفالة الطفل مجهول النسب الذى وُجد فى أى مكان فى مصر من حقه كفالته وفقا لشروط الجهة المسئولة فى الدولة وهى وزارة التضامن. وفى حالة الطفل شنودة، يرجع الطفل لأهله الذين ربوه ويتم تغيير شهادة الميلاد لتصبح متوافقة مع شروط الكفالة وليس التبنى. وأقول كفالة أو احتضان وليس تبنيا حتى يتم التوصل لحل لمطالبة المسيحيين بالسماح لهم بالتبنى خاصة بعد تنازل الكنيسة عن حق التبنى فى المشروع الأخير لقانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسيحيين، المقدم للبرلمان فى دورته البرلمانية القادمة، وذلك إرضاء لمؤسسة الأزهر، وعدم حدوث صدام، وذلك وفقا لموقع الأقباط اليوم فى مقال بعنوان: «قانون الأحوال الشخصية» أمل ينتظره المسيحيون بتاريخ 19 يونيو 2022.
أما إذا رجعنا للروايات المنشورة فى الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعى عن كيفية انتقال المولود لرعاية السيد فاروق فوزى وزوجته، فتتبادر إلى ذهنى الأسئلة التالية:
هل كان الزوجان يعلمان وقت إعطاء كاهن الكنيسة المولود عندما وجده داخل الكنيسة عن إجراءات استخراج شهادة ميلاد للطفل مثل أنهم يجب عليهم إبلاغ اللجنة الفرعية لحماية الطفولة المختصة أو خط نجدة الطفل التابعة للمجلس القومى للطفولة والأمومة أيهما أقرب لاتخاذ ما تراه/يراه مناسبا لحماية الطفل ثم التقدم بعدها بطلب لوزارة التضامن وإيفادها برغبتهما فى احتضان الطفل مجهول النسب؟ وهل كانا على علم بأن التبنى محظور فى مصر وبأن كفالة/احتضان الأطفال هى فقط المسموح بها؟
واضح من إقرار النيابة العامة بعد التحقيق مع الزوجين بحسن نيتهما وعدم وجود شبهة جنائية ومن ثَم تغاضيها عن القاعدة القانونية التى تشير إلى أنه يجب عدم التماس العذر بالجهل بالقانون أى عدم محاسبة الزوجين على جهلهما بقانون حظر التبنى وضرورة اللجوء لوزارة التضامن، واضح من هذا الإقرار أن الجواب على هذه الأسئلة هو بالنفى. وحتى إنه من الواضح أن كاهن الكنيسة نفسه لم يكن على علم بذلك بدليل إعطائه المولود للسيد فاروق وقوله حسب رواية الأخير: «خده واكتبه على اسمك وربيه»، لعلمه بمحاولات الزوجين الفاشلة للإنجاب لسنوات طويلة. والسؤال هنا: من المسئول عن الجهل بالقانون وبالإجراءات؟ بالقطع جزء من المسئولية يقع على الكنيسة والزوجين ولكن فى ظنى أن وزارة التضامن عليها أيضا عبء تعريف وتوعية الشعب المصرى، مسلمين ومسيحيين، بشروط الكفالة وخاصة كفالة مجهول النسب.
• • •
أنا مدركة أن هذه مسائل شائكة جدا لكن لماذا لا يُفتح المجال العام لمناقشتها بهدوء ومن غير اتهامات؟ وحتى يحدث ذلك، علينا إيجاد حسم سريع لمصلحة الطفل الذى كان شنودة فأصبح يوسف، وكذا كل الأطفال الذين يواجهون نفس المعضلة.
استشارية حقوق الطفل