العلاقة بين العلوم والفنون

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 17 سبتمبر 2022 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

فى الجامعة التى أعمل بها كما فى أغلب جامعات أمريكا هناك عميد واحد لكليات الفنون والعلوم معا (College of Art and Science)، وضع كليات العلوم كلها والفنون كلها فى بوتقة واحدة له دلالته فى أن هناك ما يجمع بين العلم والفن وهذا موضوع مقالنا اليوم. نظن لأول وهلة أن الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات ليست لها علاقة بالموسيقى والرسم.. إلخ، بل إننا عندنا فى مصر نفصل العلمى والأدبى منذ المرحلة المدرسية فى الثانوية العامة، لكن الحقيقة ليست كذلك.
نحن فى هذا المقال نتكلم عن الفنون بعامة وبجميع أشكالها من رسم وموسيقى وأدب.. إلخ، وعلاقتها بالعلوم وبالعكس، ولا يسعنا فى هذا المقام إلا أن نتذكر المناظرة بين عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين والعالم الكبير الدكتور على مصطفى مشرفة عن احتياج العلم للأدب واحتياج الأدب للعلم، ومن جمال تلك المناظرة أن الدكتور طه كان يتكلم عن أهمية العلم والدكتور مشرفة كان يتكلم عن أهمية الأدب.
العلم له تأثير كبير على الفنون، إذا أخذنا تأثير العلم على الأدب سنجد أن كبار الأدباء يغوصون فى أعماق النفس البشرية والصراع بين البشر.. إلخ، وهذا يحتاج إلى علوم النفس والاجتماع، هناك أيضا روايات الخيال العلمى والتى إما تستخدم النظريات العلمية الموجودة لبناء قصة، وبذلك تسهم فى توصيل معلومات علمية للقراء أو يأتى المؤلف عن طريق الخيال بنظريات علمية غير موجودة أو تكنولوجيا خيالية كجزء من الرواية، وتكون تلك الرواية أحد أسباب التفات العلماء إلى تكنولوجيا معينة من الممكن بناؤها ولنا فى روايات جول فيرن وهربرت جورج ويلز المثال الحى على ذلك.
وإذا نظرنا إلى فن آخر من الفنون مثل الفن التشكيلى فإن العلم هو من دلنا على الألوان وطرق مزجها وتأثيرها على النفس البشرية مثل الألوان الهادئة والألوان المثيرة وما إلى ذلك، والعلم هو الذى درس أنواع المنسوجات والأوراق التى نرسم عليها وأنواع الأحجار والجبس التى تستخدم فى النحت. أما الموسيقى فلها مع العلم باع طويل؛ لأن النغمات هى فى النهاية موجات يمكن دراساتها رياضيا وهو ما فعله الدكتور على مصطفى مشرفة؛ إذ إن له عدة أبحاث منشورة عن الموسيقى وله السبق فى تقديم تصميم أول بيانو عربى، بإضافة 12 مفتاحا كما كان هو شخصيا عازفا بارعا.
إذا انتقلنا الآن إلى الناحية الأخرى من النقاش وهى فضل الفن على العلم فسنجد أن الفن يساعد فى إيصال الأفكار المعقدة للناس عن طريق الشعر فهناك ما يسمى بالشعر العلمى مثل الأرجوزة الطبية لابن سينا فى أكثر من ألف بيت، وهى تلخيص لبعض الأمراض والممارسات الطبية، وهناك أرجوزة طبية أخرى لابن طفيل مؤلف القصة الفلسفية الشهيرة «حى بن يقظان».
الفن التشكيلى أيضا مهم للعلم من عدة جهات فهو قد يستخدم فى رسم التصميمات المعقدة بطريقة سهلة أو المساهمة فى إيصال المعلومات العلمية بطريقة مبسطة ولنا فى رسومات ليوناردو دافنشى أبرز مثال، الرسم يستخدم أيضا كجزء من التأريخ عن عصر معين مما يساعد المؤرخين على معرفة خصائص هذا العصر، أى أن الرسم بالإضافة إلى الوثائق المختلفة تساهم فى المعرفة التاريخية، وهذا ينسحب أيضا على تاريخ العلوم والذى تحدثنا فى مقال سابق منذ عدة سنوات عن أهميته ليس فقط من الناحية التاريخية، ولكن أيضا لمساهمته فى التقدم العلمى.
العلوم والفنون لهما نفس الهدف وهو معرفة هذا العالم الذى حولنا لكن العلماء والفنانين يصلون لهذا الهدف بطرق مختلفة، العلم يستخدم الملاحظة والتفكير المنطقى ثم بعد ذلك يسلك الطريق المعروف فى النشر العلمى، أما الفنان فيبدأ بتجربة شخصية تنبع من إحساسه بما حوله ثم يبحث بعد ذلك على وسيلة لإيصال هذه التجربة الشخصية للناس إما عن طريق رواية أو رسم أو نحت أو حتى موسيقى، إذًا فالهدف الأسمى للعلوم والفنون على حد سواء هو المعرفة وكل يصل إليها بطريقته لكن كليهما يبحث عن نشر هذه المعرفة للناس فنحن كائنات تحب المشاركة وتراكم المعرفة التى تساعدنا على فهم الكون حولنا وتطويعه ما أمكن وحماية أنفسنا مما لا نستطيع تطويعه، المعرفة هى أساس رفاهية الإنسان لأن الإنسان عدو ما يجهل لأنه يخاف منه.
ما أردت قوله فى هذا المقال إن العلوم والفنون ليستا جزيرتين منفصلتين، بل تكمل أحدهما الأخرى، فكما طالبنا فى مقال سابق بإزالة الحوائط بين العلوم نطالب اليوم بإزالة الحوائط بين العلوم والفنون فلابد للعالم من بعض المعرفة الفنية ولابد للفنان من بعض المعرفة العلمية ولابد أن يتحدث كل فريق مع الآخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved