في نقد النقاب

جلال أمين
جلال أمين

آخر تحديث: السبت 17 أكتوبر 2009 - 9:17 ص بتوقيت القاهرة

 اعترف بأنى لم أشعر أبدا شعورا طيبا نحو النقاب. انزعج لرؤيته، وينقبض صدرى، وأسأل نفسى: أى نوع من التفكير أدى بالمرأة المنتقبة إلى ارتدائه؟.. إذا كان الدافع تنفيذ فرائض الدين، فإن كثيرين من الفقهاء وعلماء الدين الموقرين يقولون بأنه ليس من الفرائض، فلماذا رفضت المنتقبة هذا التفسير وأخذت بعكسه؟.. هل الدافع رغبة المنتقبة فى مزيد من التقرب إلى الله وكسب الثواب، واعتقادها أن هذا الزى، وإن لم يكن فرضا، فهو محمود ومستحسن؟..

فلماذا يا ترى يمكن أن يعتبر هذا الزى محمودا ومستحسنا؟.. إنى أجد أسبابا كثيرة وقوية لتفضيل عدم ارتداء النقاب، لمصلحة المرأة التى تفكر فى التنقب، ولمصلحة المجتمع ككل، فكيف يمكن أن يكون موقف الدين مخالفا لما يقضى به العقل؟

إنى أتعاطف بشدة، وأعتقد أن كثيرين من القراء متعاطفون أيضا، مع القول المعروف فى مذهب المعتزلة «بالحسن والقبيح العقليين»، أى بأن العقل قادر على أن يعرف أن الشىء حسن أو قبيح، ومن ثم أباحوا لأنفسهم أن يفسروا القرآن الكريم بتحكيم العقل والحديث وبالاعتماد على معرفتهم باللغة وبأساليب القرآن وروحه، ومادامت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تتكلم عن الزى الواجب على المرأة، قليلة وتحتمل أكثر من تفسير، فلا مناص لنا من تحكيم العقل، والعقل فى ظنى يرى مثالب كثيرة فى النقاب.

الدين والأخلاق يدعوان بالطبع إلى ضرورة الاحتشام، من جانب المرأة والرجل على السواء، وهذا هو أيضا ما يقول به العقل، ولكنى أجد صعوبة فى وصف ارتداء النقاب بأنه مجرد احتشام. إنه يذهب إلى أبعد من هذا بكثير، حتى ليكاد يصل إلى حد الانسحاب من الحياة الاجتماعية بأسرها، وانكفاء الشخص على نفسه متى خرج من بيته. وهذا الانسحاب موقف غريب جدا وغير مفهوم. غريب لأنه يصل إلى درجة منع الناس من معرفة ما إذا كان الشخص المتنقب رجلا أو امرأة، فتاة صغيرة أو عجوزا. فإذا سمحت المنقبة لشخص من غير أقاربها بأن يسمع صوتها، أو أن يتبادل معها الكلام، فهى لا تسمح له بأن يعرف وقع كلامه فى نفسها، إذ لا تسمح له بأن يرى ما يطرأ على أسارير وجهها من تغييرات، مع أن هذا، فيما أظن، من حقه، ومن ضرورات التواصل الإنسانى الطبيعى. كيف يؤدى الأستاذ مثلا وظيفته فى تدريس مجموعة من المنقبات، دون أن يعرف وقع كلامه فى نفوسهن؟..

وكيف تتعامل المنتقبة، إذا كانت موظفة فى الحكومة، مع من يتردد عليها لأداء شأن من شئونه؟.. وكيف تمارس المنتقبة عمليها كطبيبة فى تعاملها مع المرضى.. إلخ؟.. أم أن المنتقبة يجب فى الواقع أن تقضى معظم حياتها داخل بيتها، ولا تخرج منه إلا للضرورة القصوى؟.. فلماذا كل هذه القسوة فى معاملة المرأة؟

وهل هذا كله ضرورى حقا لحماية المرأة والرجل من الفتنة؟.. هل أى شعور مصدره الغريزة الجنسية هو شعور قبيح دائما ومن ثم وجب وأده؟.. أم أن القبح هو فقط فى العجز عن ضبط النفس حتى لا يؤدى هذا الشعور إلى ارتكاب فاحشة أو معصية؟.. ما كل هذه القسوة فى النظر إلى مشاعر الإنسان الطبيعية؟.. وهذا الميل إلى انكار الطبيعة الإنسانية؟.. إن التحضر لا يعنى قتل الرغبة، بل القدرة على السيطرة عليها وتوجيهها إلى تحقيق حياة سعيدة وجميلة.

والإصرار على ارتداء النقاب فيه إهانة للرجل والمرأة على السواء، إهانة لكل رجل عابر لأنه ينطوى على اعتباره غير قادر على التفكير فى أى شىء غير الجنس، وإهانة للمرأة غير المنتقبة لأنه ينطوى على اتهامها بعدم مراعاة الحشمة الواجبة. وارتداء النقاب يؤدى إلى أى حال إلى فتح موضوع الفتنة الجنسية كلما كان موصدا، كان موصدا، وإعلان مستمر بأن الشاغل الأعظم لنا جمعيا يجب أن يكون تجنب هذه الفتنة.

ولكن هناك جانبا آخر لهذه القضية. فالغريزة الجنسية بطبيعتها لا يثيرها فقط ما يراه المرء بعينيه، بل قد يثيرها الصوت وكذلك مجرد التخيل. ومن ثم فمنع العينين من الرؤية لا يكفى دائما لتجنب الانجذاب نحو الجنس الآخر. فماذا نحن فاعلون إذن، إذا افترضنا أن الإنسان لا يستطيع السيطرة على مشاعره، ولا بد أن يرتكب الخطيئة بمجرد أن يشعر الانجذاب إلى الجنس الآخر؟.. هل يكفى حقا حجب الجسم عن العين؟.. أم يجب أيضا منع الصوت من الوصول إلى الأذن؟.. فإذا سارت المرأة المنتقبة، والتزمت الصمت، فلم ترها عين ولا سمعت صوتها أذن، فكيف نتجنب مع ذلك الفتنة التى قد تنتج عن مجرد التخيل؟.. خاصة أن الخيال ينشط عادة إذا منعت الحواس من العمل؟

الأرجح، والحال كذلك، أن الخيار المتاح أمامنا هو بين شيئين لا ثالث لهما: إما محاولة التدرب على ضبط النفس، أو البحث عن طريقة لاستئصال الغريزة الجنسية من أصلها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved