مقارنات لكسر الأنا الجَمعيّة

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 17 أكتوبر 2018 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

صار موضة (تريند) أن يتذكَّر الأردنيون والأردنيّات أوضاعَنا كعربٍ، كلما نقلت وسائلُ التواصل الاجتماعى والفضائيات تفوّقا علميا أو معالجةً اجتماعيّةً أو قانونيّةً متقدّمةً عند غيرنا من شعوب الأرض، لكنّه تذكّرٌ سالبٌ ساخرٌ بات مهينا، والأسوأ أنه باتَ لذةً نستمتعُ بهوسِ تكرارها. فإذا نقلت الأخبارُ فيديو لقطارٍ حديثٍ فى اليابان، يقدّم تسهيلاتٍ جديدة للركاب، أو يتجاوز صعوبات الازدحام المرورى، بات التغنى بـ«كوكب اليابان الشقيق» على أنه صِنوُ الباص السريع الذى نسمع به ولا نراه منذ سنوات! وإذا تمَّ توزيرُ امرأةٍ من أصلٍ عربيّ أو آسيويّ فى فرنسا أو كندا، هبّت الأفواهُ والأقلام لشتمنا كشعوبٍ ما زالت تسألُ عن فصلِ وأصلِ هذا الشخصِ المرشَّح لمنصبٍ عامٍّ أو وزارة! بل إنَّ أساتذةً فى جامعاتٍ لا يميّزون بين الخبرِ الملفَّقِ والكتابة المزيّفة، ينشرون تفاهاتٍ عن فروسيّة اللصوص فى الغرب (الكافر) الذين يعيدون ما سرقوه إلى الضحيّة بعد أن يتبيّن لهم أنها طفلةٌ معوّقةٌ أو يتيمٌ بائس، «بينما لا يتورّع لصوص الوطن عن سرقة مقدراتنا»! فبهذه السذاجة تمضى المنشورات والمواد المزوّرة غالبا، لتقارنَ بين «عظمة الآخر»، و«هوان الأنا» الجمعيّة العربيّة، دون أدنى تمحيصٍ لمصدرٍ، أو تحقُّقٍ من صدق الخبر، وبهمّةٍ عاليةٍ للمقارنة، للوصولِ إلى شتم الذاتِ وجلدها!
يستوى فى هذا الشتم الانفعالىّ كبار القومِ وصغارُه، من كُتّابٍ وأهل صحافةٍ وإعلامٍ ونوابٍ وأكاديميين وأصحابِ مهنٍ من أطباء ومهندسين وفنانين وهواة.
وهى ظاهرةٌ غنيّةٌ عن القول إنها سلبيّةٌ، طالعةٌ من أحشاءِ اليأسِ الذى سقطَ فيه الشعبُ الأردنيّ مع غيره من الشعوبِ العربيّة. يأسٍ باتَ متأصّلا بسببِ توالى الخيباتِ والانكسارات، وبات التعبيرُ عنه يتوجّه إلى «الأنا الجريحة» وهدم ما بقيَ فيها من عزةِ نفسٍ وقدرةٍ على مواجهة الواقع المظلم. ظاهرةٌ بات من أولويات الإسعاف النفسى الجماعى التصدّى لها، والتنبيهُ على خطورتها فى تدميرِ الأمل، مهما يكن شاحبا، وفى تدمير همّة التغيير لدى الشبابِ تحديدا.
لقد بات «مفهومُ الذات» الجمعيّة المسئولُ عن توفير الدافعِ للعملِ ولمواجهة التحديات وللإبداع وضبطِ ايقاعِ الحياةِ، مهلهلا ومتآكلا ومُسفَّها ومُحتَقرا وميئوسا منه! وهذا أسوأ أداةِ تدميرٍ ممكنة لسيكولوجية الشعوب، وخصوصا فى المراحلِ المنهَكةِ من تاريخها. ولا يدانيها فى الخطورة إلا ذلك التشاوفُ الشوفينى والتفاخرُ البائس بأنَّنا خيرُ الأمم، والذى بات حكرا على أيديولوجياتٍ بعينها نبذها التاريخ.
وأنا أناشد من هذا المنبر جميعَ الأقلامِ والأفواهِ والقلوبِ اليائسةِ إلى التوقفِ عن تداولِ المواد التى تعقد المقارنات الجائرة، والخلاصات السلبية، والاستنتاجات اليائسة، لنترك حيّزا ولو صغيرا لتدبُّر ما يجرى، والخروجِ من مآزقه، حتى لو كان كريها وبشعا.
دعونا لا نفقد الأمل!

زليخة أبوريشة
الغد ــ الأردن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved