باسيل إلى الشارع… «ما شفت مين مات؟»

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 17 أكتوبر 2019 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب نصرى الصايغ وجاء فيه:

اللجوء إلى الشارع خطيئة سياسية. التهديد به حماقة وانتهازية. لا أمل يرجى من صياح الأتباع. فكل ديك.. صَياح.

الشارع فى لبنان شوارع. لسنا نشبه أى دولة أوروبية؛ السلطات هناك تسمع صوت الشارع وتعتبر.. نحن لسنا كذلك. ولسنا نشبه الشارع السودانى الرائع؛ أطاح بالديكتاتورية ولجم العسكريتارية، وبَدل وجه الدولة. ولسنا نشبه الشارع الجزائرى أبدا؛ أطاح بالديكتاتور ووقف صامدا أمام نفوذ العسكريين ولا يزال. وبالطبع، لا نشبه تونس، بصيغة «البوعزيزى»، ولا بصيغة الانتقال الديمقراطى، بإملاءات صناديق الاقتراع.

فلنتوقف قليلا أمام التهديد بالشارع. فى لبنان شوارع. شارع واحد لا قيمة له. هناك شارع مارونى عارم. وهناك شارع شيعى عرمرم، وهناك شارع سنى يراكم، وهناك دروز يعتصمون فى جبالهم، وهناك تجارب كاوية، عرفناها عشية الحرب اللبنانية فى العام 1975.

تهديد الوزير جبران باسيل بالطوفان، فقاعة سياسية. من الحكمة سحب هذا الكلام من التداول. ثم، قلة قليلة من اللبنانيين، كانت متفائلة بالتسوية. السلطة الحالية بنت شرعية لتسوية بين تيارين وشارعين ومحورين. لم يكن متوقعا غير ما كان. لبنان «القوميات الطائفية»، هذه هى صورته المثالية. السلطة لجميع «المكونات»، و«المكونات» ليست مع هذه السلطة الجامعة. فلكل مكَون سلطته. ولهذا، بدا العهد ضعيفا، يقبض على الربح. إنه شبيه بملك لا يملك… وصوت باسيل المرتفع جدا، لا يُعوَل عليه، إلا إذا قُلبت الطاولة، ودخل لبنان فى الفراغ، وقرع باب الإفلاس السياسى والمالى.

لبنان هذا، عمره مائة عام. أثبت أنه نموذج للفشل. الأدلة أمامنا. انظروا جيدا. تبينوا أحواله. افحصوه بتفاصيله. قولوا لنا أين نجح؟ كل القطاعات مأزومة. السلطة مصابة بسرطان لا شفاء منه. لا كان معافى قبل الطائف ولا توقف بلاؤه ومرضه بعد الطائف. شىء واحد نجح بتفوق وجدارة: لقد غلبت الطائفية لبنان الدولة، ولبنان النظام، ولبنان الشعب، ولبنان الاقتصاد، ولبنان الأخلاق، حتى قيل أن لبنان دولة منهوبة، ومعروف جدا من نهبها وينهبها وسينهبها غدا ويحكمنا.

الصيغة التوافقية فاشلة وكاذبة ولا أخلاقية. الديمقراطية حفلة زجل وكاسك يا وطن. الاقتصاد فى عهدة «الحرامية». القضاء حفلة تنكرية تتم فصولها بحضور امرأة قيصر فى تمام عهرها. التربية: ديانات وطوائف ورساميل. الأحوال الشخصية مأساة وجريمة ضد الأمومة والطفولة.

أما حب لبنان، فلا يشبهه حب أى شعب لدولته. كل اللبنانيين، يحبون لبنان أخيرا. حبهم الأول والثانى والعاشر، هو لغير لبنان. النشيد الحقيقى هو «كلنا ضد الوطن» الولاء اللبنانى خرقة، ممسحة، كذبة. دماؤنا ليست لنا، بل لغيرنا من دول المحاور القريبة والبعيدة. أما الحكومة، فهى الممثل الشرعى للدول والمحاور المقيمة فى لبنان. فى ضيافة الطوائف والمذاهب والمحاور.

لذا، القول المأثور، «ما مت… ما شفت مين مات»، نلفت نظر الوزير باسيل إليه. إياك والشارع، تعاركوا على طاولة مجلس الوزراء، فى الوزارات، فى المؤسسات، فى النفط. فى المواصلات وفى كل ما تختلفون فيه وحوله وماله، ولا تخرجوا إلى الشارع.

نفاذ صبر التيار الوطنى الحر، طبيعى. لكن نفاذ صبر اللبنانيين سابق على «التيار»، وتشكيلة السلطة المتوارثة. لا يحاولن أحد أن يقذفنا، بأنه كان يجهل خصمه وغريمه وعدوه وصديقه. كل هذه التركيبة معروفة، ومجربة ومبهدلة. الفارق الوحيد، أن «التيار» الشريك سابقا لكل هذه القوى المتغالبة والمتنافسة فى تجارة السلطة، قد بات هو «الأقوى»، ورئيسه «قوى» ومع ذلك، فإن الأمور ساءت ووصل لبنان إلى الهاوية. «فحساب الحقل، ليس كحساب البيدر». فشلت السياسات كلها. والسبب، أن الملح فاسد. إن أعمدة السلطة متداعية. إن الطوائف لا تتوقف عن الارتكاب. لا نعرف أحدا من أصحاب الأيادى البيض فى الطوائف. الاستثناء الآدمى، نادر جدا، وضعيف جدا، وتجوز الحسرة عليه. أما المؤسسات المذهبية، فلا حول ولا قوة ولا… يا الله، هل هذه المؤسسات تخصك أو تنتمى اليك؟

يحدث كل هذا «الدبيك» وسقف السلطة مفخوت، وصندوق المال منهوب، واللبنانيون خائفون على قوتهم وخبزهم وجنى عمرهم. أما الشباب، فقد عرف الأمثولة باكرا. سلك طريق الهجرة بعدما أصبح العاطل عن العمل بائسا من ايجاد أى عمل.
عندما يئس المسيح، قال: «هوذا بيتكم يترك لكم خرابا».

ومن أعماق يأسنا نقول: «هوذا بلدكم يترك لكم خرابا».

وعليه، فإن اللجوء إلى الشارع يعجل بجعل الخراب مكان إقامة للبؤساء اللبنانيين. أما أصحاب الملايين، فلهم الجنات الضريبية.

اللعنة.
لقد أنفقنا كل الآمال فى مائة عام. حتى الشارع، الذى هو ملك الناس الغلابة، قد خلا، إلا من قلة.

سؤال: متى يحتل الغلابة اللاطائفيون الشارع؟ لهؤلاء وحدهم ضمانة أن يكون الشارع يشبههم. هذا الشارع بانتظاركم أنتم، فمتى تجعلونه مكان إقامتكم؟

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved