راجح قتل محمود!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 17 أكتوبر 2019 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

«لو حق ابنكم مجاش أنا هقعد فى البيت».. هذه العبارة قالها اللواء سعيد عباس لأسرة طالب الثانوى محمود محمد البنا الذى قتله ثلاثة من شباب مركز تلا بمحافظة المنوفية يوم الأربعاء الماضى.

كل الشكر والتقدير للمحافظ الذى قدم واجب العزاء للأسرة وقام بتقبيل أيدى الوالدين والجدة، مشددا على أن «القانون سيتم تنفيذه بكل حزم، ولو المجرم أفلت من العقاب هروح أقعد فى البيت».

السؤال الجوهرى فى هذه القضية هو: هل إعدام القتلة الثلاثة، سيعنى تحقيق العدالة، أم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير؟!

قبل الإجابة عن السؤال، نذكر الجميع فى عجالة بقصة هذه الجريمة الخطيرة. محمد أشرف راجح طالب بكلية التجارة جامعة السادات، كانت تربطه علاقة بفتاة، وحدثت خلافات بينهما، شاهدها فى الشارع وأخذ منها هاتفها بالقوة فى شارع الشهيد جودة بمركز تلا. المجنى عليه محمود محمد البنا، شاهد الواقعة وكتب على صفحته على الفيسبوك: «معاكسة البنات مش رجولة».

راجح قرأ البوست وجن جنونه واتفق مع اثنين آخرين هما مصطفى محمد مصطفى ــ ١٧ سنة ــ طالب فى الثانوى التجارى، وإسلام عاطف ــ ١٧ سنة ــ طالب فى الثانوى الزراعى، على معاقبة البنا وأوقفوه أثناء سيره فى الشارع وقيدوه وسددوا له عدة طعنات فى رقبته ووجهه وبطنه وفخذه، وتركوه غارقا فى دمائه وهربوا، الجريمة وقعت فى وضح النهار وأمام الجميع.

الجرائم تقع كل يوم، لكن هذه الجريمة هزت الكثيرين فى غالبية أنحاء الجمهورية، بل إن مواقع إلكترونية عالمية كبرى، تناقلتها.

هاشتاج «راجح قاتل» أو «راجح قتل محمود» تصدر تويتر بعد يوم من وقوع الجريمة، وطافت مسيرات ضمت المئات تطالب بإعدام راجح ومن ساعده.

والد القتيل قال خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامى الكبير شريف عامر فى برنامج «يحدث فى مصر» على قناة «إم بى سى مصر» إن ابنه قال للقتلة قبل الجريمة «ما حدث منكم مش رجولة والبنت زى أختكم، وللأسف فإن تربيته المحترمة وأخلاقه الزائدة هى اللى عملت فيه كده، والقتلة تربصوا به أثناء ذهابه إلى الدرس، وأن أحدهم قيده والآخر بخ على وجهه بخاخة والثالث طعنه عدة طعنات، والشارع اللى اتقتل فيه بيحصل فيه جرائم كثيرة، ومن حسن الحظ أن الكاميرات رصدت تفاصيل الجريمة».

خطورة الجريمة أنها ليست عادية، لكن الاعتقاد أن إعدام الجناة سيحل المشكلة ليس صحيحا. طبعا من المهم أن تكون هناك عدالة ناجزة وقانونية، وإن كان الإعدام نفسه لن يعيد الشاب للحياة.

لكن ما أقصده هو ضرورة أن ننتبه إلى الخطر الحقيقى، وهو أن مثل هذه الجرائم صارت عادية جدا. هى تدل على استسهال ارتكاب شباب صغير السن لجرائم كبرى على أسباب تافهة.

أتفهم تماما ــ حتى لو عارضت ــ قيام شباب صعايدة بعمليات قتل فى إطار الثأر. هى عادة سيئة لكنها مفهومة وذات جذور، بل وتحظى بقبول المجتمع الصعيدى.

لكن جريمة تلا تقول لنا إن القيم فى المجتمع المصرى تتراجع بصورة متسارعة، أعذر الأب تماما حينما يقول إن حياة ابنه راحت بسبب شهامته، وأضع يدى على قلبى حينما يستسهل ثلاثة من الشباب قتل شاب مثلهم لأنه عاتبهم على سلوك سيئ! تلك هى المشكلة، استسهال القتل لأتفه سبب، من دون أى تفكير فى العواقب.

لا أميل كثيرا لتفسير الجريمة على أن سببها ثراء القتلة وأفضل البحث عن الأسباب الاجتماعية والأخلاقية وبعدها الاقتصادية، علينا أن نفكر ونحلل ونبحث فى نوع الدراسة التى يتلقاها هؤلاء الشباب وتأثير المعلمين عليهم، وهل أساسا يذهبون إلى المدارس أم فقط إلى «السناتر»، وهل يعرفون شيئا عن منظومة القيم والأخلاق، وما هى علاقتهم بأسرهم وهل يحافظون على الصلوات، وما حجم ما يتلقونه من أموال من أسرهم، وما هى هواياتهم وميولهم وما هى نوعية قراءاتهم وموسيقاهم وأفلامهم وانتماءاتهم، أم أن ذلك غير موجود أصلا؟!.

الأمر أخطر مما نظن واختزاله فى مجرد محاكمة سريعة للقتلة هو هروب للأمام وترضية للرأى العام الغاضب لكن ــ من وجهة نظرى المتواضعة ــ فالأهم هو البحث فى البيئة التى تفرز مثل هؤلاء القتلة. للأسف وصلنا إلى حالة ــ تراكمت عبر سنوات طويلة ــ صار فيها من يتحدث عن الشهامة يتم قتله علنا فى الشارع، ومن يقتل بدم بارد يصبح هو النموذج السائد، علينا التحرك فورا قبل أن تتفاقم الظاهرة إلى الأسوأ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved