«النواب».. وأزمة التعليم

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: الأحد 17 أكتوبر 2021 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

قبل نحو 140 عاما، انتخب المصريون أول مجلس نواب له صلاحيات رقابية وتشريعية واسعة، كان تشكيل هذا المجلس ثمرة نضال الأمة التى ثارت ضد استبداد وفساد الأسرة العلوية الحاكمة، وخرجت خلف أحمد عرابى ورفاقه للمطالبة بتأسيس حكم نيابى يحترم حقوق الشعب ويعمل على تحقيق آماله فى الحرية والعدالة وتحسين الأحوال المعيشية.
أنجز هذا البرلمان الذى انتخب أعضاؤه فى «أجواء من الحرية وبعيدا عن التدخل الحكومى»، أول دستور للبلاد «اللائحة الأساسية»، الذى أقر مبدأ المسئولية الوزارية أمام مجلس النواب، ومنح البرلمان الحق فى إقرار القوانين والموازنة العامة والرقابة على الحكومة.
فى 26 فبراير عام 1882، قدم النائب عبدالسلام المويلحى للبرلمان تقريرا عن تعميم التعليم فى مصر، ووجه الدعوة إلى عبدالله باشا فكرى ناظر المعارف ــ التعليم ــ للمثول أمام المجلس وتقديم بيان بحصر المدارس الابتدائية فى القطر، وما يمكن للوزارة إنشاؤه من مدارس والعدد الذى يمكن تخريجه من مدرسة المعلمين، والنفقات اللازمة لإنفاذ خطة لنشر التعليم فى كل بلد أو قرية ليس فيها مدرسة.
بعد نحو أسبوعين حضر الوزير للمجلس وعرض على نوابه معطيات حالة التعليم فى مصر، ورد على أسئلتهم بالتفصيل، وطالبهم بالمساعدة فى تنفيذ خطة تعميم التعليم بالبلاد، برفع ميزانية وزارته فى الموازنة العامة أو بالمشاركة فى إنشاء مدارس على نفقتهم الخاصة، واعدا بالحضور فى أى وقت يستدعيه فيه المجلس لعرض المستجدات فى هذا الملف الحيوى.
للأسف تم وأد تلك التجربة الديمقراطية الوليدة بعد شهور قليلة من انطلاقها إثر تآمر الخديوى توفيق واحتلال الإنجليز لمصر، لكن ذكراها تظل حاضرة ماثلة أمام أعيننا كلما توالت علينا نكبات التعليم وغيره من مرافق الدولة فى ظل غياب شبه تام للسادة أعضاء البرلمان الحالى الذين من المفترض أن يسائلوا كل المسئولين كيف وصل التعليم فى بلادنا إلى هذه الحالة من التردى.
الصور ومقاطع الفيديو التى تناقلتها منصات التواصل الاجتماعى خلال الأسبوع الماضى، فضحت حالة الانهيار التى تعانى منها مدارسنا الحكومية. وزير التعليم بدلا من أن يسعى لتغيير هذا الواقع المذرى، قرر منع التصوير فى المدارس درءً للفضائح.
رفعت تلك الصور منسوب الغضب الشعبى ضد الوزير، ورغم ذلك خلا جدول أعمال البرلمان الذى تم توزيعه على المحررين البرلمانيين نهاية الأسبوع الماضى من أى ذكر للأزمة التى شغلت، ولا تزال، الرأى العام.
باستثناء طلبى الإحاطة المقدمين من النائبين أحمد بلال وأيمن محسب، والسؤال البرلمانى الذى تقدمت به النائبة مرثا محروس إلى وزير التعليم عن العجز فى أعداد المدرسين، وعدم تسليم الكتب المدرسية إلا بعد سداد المصروفات، ومنع التصوير داخل المدارس، لم نر من باقى النواب أى تحرك جاد يثبت لنا أنهم نواب الشعب وليسوا نواب الحكومة.
نظريا اختار المواطنون هؤلاء النواب لإقرار تشريعات تنظم حياتهم وتصون حقوقهم وتدافع عن مصالحهم، انتخبوهم ليراقبوا أعمال الحكومة ويحاسبوها ويسحبوا منها الثقة إذا قصّرت فى أداء مهامها، لكن الواقع أن غالبية نواب المجلس الحالى كما السابق عليه تماهوا مع الحكومة للدرجة التى لا يُمكنك أن تُمايز بينهما، يمررون مشروعات قوانينها ويوافقون على موازنتها دون تدخل أو مراجعة، ويغضون الطرف عن تقصيرها، فلا تُسأل ولا تُستجوب ولا يُطرح فيها الثقة أيا كانت الكوارث والمصائب التى تحل على الشعب بدءًا من حوادث السكك الحديدية وصولا إلى افتراش الطلاب الأرض داخل الفصول الخالية من المقاعد فى المدارس الحكومية.
حتى إذا كان هذا المجلس كما يعتبره البعض ديكورا لاستكمال الشكل الديمقراطى لمؤسسات الحكم، ألم يكن من الأفضل أن يسمح للسادة النواب باستدعاء الوزراء ومهاجمتهم أمام الرأى العام على تدهور المنظومة التعليمية والخدمات الطبية وارتفاع أسعار السلع.. إلخ، على طريقة «الفساد فى المحليات وصل للركب» التى صكها النائب السابق زكريا عزمى الذى كان يعمل رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية صباحا ويهاجم السلطة التنفيذية مساءً.
للأسف الشديد لم نر من غالبية نواب هذا البرلمان ولا من أسلافهم فى المجلس السابق أى أمارة تثبت أنهم يمثلون الشعب، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، فلا تشريعات تصب فى صالح المواطن ولا رقابة أو مساءلة للحكومة على تقصيرها فى حق الشعب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved