عن الفلسطينيين الذين باعوا أرضهم!!
خالد أبو بكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
بعد مرور 11 يوما من العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، لا يملك المرء إلا الشد على أيادى الشعب الفلسطينى الأعزل، والتضامن معه بكل المعانى والعبارات، فلا أظن أن شعبا فى العالم عانى ما يعانيه هذا الشعب العظيم جيلا وراء جيل، ولا أعرف شعبا قدم من دماء أبنائه وحريتهم من أجل الحفاظ على قضيته حية متقدة مهما حاول أعداؤه الإجهاز عليها مثله؛ فالتحية والدعم والمساندة واجبة لهذا الشعب الصامد المرابط.
تعرض هذا الشعب إلى الكثير من الافتراءات بفعل الدعاية الصهيونية، وبفعل الكثير من الأنظمة العربية التى واكبت النكبة وما تلاها وكانت تريد أن تنفض أياديها من الهزيمة والفشل فى الحفاظ على عروبة فلسطين، فأشيعت كذبة «الفلسطينيين الذين باعوا أرضهم»، الحقيقة أنهم لم يبيعوا أرضهم، لكنهم طردوا وهجروا منها بقوة السلاح، وبفعل المجازر التى تعرضوا لها على أيدى العصابات الصهيونية، فيوم صدور قرار التقسيم فى 29 نوفمبر 1947 كان تعداد اليهود فى فلسطين لا يتجاوز ربع سكانها، وكانت ملكيتهم أقل من 7% من أرضها.. ولم تلتهم الصهيونية الأرض الفلسطينية وتتمكن منها إلا بالتهجير القسرى وبقوة السلاح ومازالت تريد أن تفعل ذلك حتى اليوم فى 2023.. وقد قدم العدوان الحالى على غزة نموذجا عمليا على الكيفية التى طرد بها الشعب الفلسطينى من أرضه.
كانت السياسة الصهيونية خلال الفترة التى تلت قرار التقسيم تستهدف التهجير القسرى (الترانسفير) للسكان العرب سواء من الأرض التى ضمها قرار التقسيم إلى الدولة اليهودية أو إلى الدولة العربية؛ لذلك راحت «الهاجاناه» وغيرها من العصابات الصهيونية ترتكب المجازر الوحشية فى القرى والبلدات الفلسطينية لدفع سكانها إلى الرحيل، سواء إلى مناطق محددة فى فلسطين (غزة والضفة) أو إلى الدول المجاورة عبر خطة كانت معدة سلفا تحمل اسما كوديا هو «دالت»، بهدف السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضى الفلسطينية وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وإحلال مستوطنات إسرائيلية محلها.
فى 20 يناير 1948 صدر الأمر التنفيذى من قيادة «الهاجاناة» بالهجوم على قرية «عرب صقرير» متضمنا «تدمير البئر الموجودة فى القرية.. وتدمير القرية تماما، مع قتل الرجال البالغين وتدمير التعزيزات التى تصل لنجدتها»، وجرى التدمير بالفعل واختفت القرية من الوجود باستثناء بعض الشواهد بحلول 25 من نفس الشهر.
فى منتصف فبراير 1948 دمرت قوات «الهاجاناه» قرية «قيسارية» القريبة من حيفا، وطردت سكانها منها. لكن التطبيق الواسع من قبل العصابات الصهيونية و«جيش الدفاع»، للخطة «دالت» لتهجير الفلسطينيين من قراهم بدأ خلال مارس من نفس السنة، وكانت الحلقة الأكثر إثارة ودموية منها خلال الشهر التالى، أى فى أبريل، حيث اتبعت تلك العصابات أسلوب المذابح كاستراتيجية لها من أجل تهجير أكبر عدد من سكان القرى الفلسطينية الواقعة ضمن مناطق الدولة اليهودية المقترحة والقريبة من مناطق الاستيطان اليهودى فى عموم فلسطين.
ففى 9 أبريل وقعت مجزرة «دير ياسين» الواقعة غربى القدس، التى مثلت نموذجا بشعا للإبادة والطرد الجماعى للسكان الفلسطينيين نفذها مقاتلين من عصابتى «الإرجون» و«شتيرن» الصهيونيتان، وسبقتهما سيارات مصفحة حاصرت القرية. راح ضحية تلك المجزرة نحو 250 من الرجال والأطفال والنساء والعجزة، حسب المصادر العربية والفلسطينية، و109 حسب المصادر الغربية.
فى منتصف مايو 1948 تم قطف ثمار الوحشية الصهيونية بإعلان قيام دولة إسرائيل، وخلال الفترة بين مايو وأغسطس من نفس العام تم تهجير نحو 750 ألف فلسطينى من قراهم. كما اتخذت قرارات بمنع العرب من العودة إلى منازلهم. وتم توطين اليهود الجدد فى القرى والمدن المهجرة.
الفارق بين ما جرى فى 1948 واليوم على صعيد مساعى إسرائيل إلى تهجير الفلسطينيين ليس فى تضاعف قوة النيران والوحشية الإسرائيلية، بل فى وعى الشعب الفلسطينى، وإيمانه بأن تمسكه بالأرض حتى لو مات عليها أفضل وأشرف ألف مرة من التشرد فى بلاد الناس، وهى القصة التى سمعتها عشرات المرات فى المخيمات الفلسطينية فى لبنان من فلسطينيين كانوا صغارا عندما جرى تهجير عائلاتهم فى 1948.. تركتهم ولسان حالهم يقول:
وها أنا أستوطن الفراغْ
شردت عن أهلى مرتينْ
سكنت فى الغياب مرتينْ
أرضى ببالى وأنا أحترف الحزن والانتظارْ