الطريقة الفرنسية للحفاظ على الهوية السينمائية

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الخميس 17 نوفمبر 2011 - 9:51 ص بتوقيت القاهرة

رغم الاضطرابات التى يواجهها الاقتصاد الفرنسى إلا أن الرئيس ساركوزى أصر على عدم تخفيض نسبة الدعم الحكومى لصناعة السينما الفرنسية، مع تأكيده تقليص الميزانية فى العديد من المرافق الحيوية.

 

ساركوزى يدرك أن حركة السينما فى بلاده لم تكن مجرد فن للتسلية والترفيه، بل وتحمل أيضا رسالة سياسية وثقافية مهمة، وأقول سياسية أولا، لأن فرنسا تعى ومنذ سنوات طويلة أن الفنون والآداب هما جناحان مؤثران فى تواجدهما داخل عقول ووجدان كثير من الشعوب وفى مقدمتها شعوب أفريقية وعربية، عاشت وتربت ومازالت على الثقافة الفرنسية التى تعد بمثابة غزو ولكنه غزو محبب وليس قاهرا مثل الاستعمار. وفرنسا تعى تماما أنها تواجه غزوا أمريكيا حيث تسيطر السينما الهوليوودية على معظم شاشات دور العرض الفرنسية، وبنسبة تخطت 90٪، ولهذا فهى تتمسك بالـ10٪ الباقية لتطرح فيها أحلامها السينمائية لتؤكد أنها مازالت تمسك بخيط أمل فى البقاء، وربما تتغير الظروف فى المستقبل، فهى لن تفرط فى دعمها للفيلم المحلى الذى يحمل فكرا فرنسيا خالصا بعيدا عن «هيلمان الأمركة»، وهى أيضا لن تفرط فى دعمها للسينمائيين المريدين من المغرب العربى وأفريقيا التى لا تعرف جماهيرها سوى اللغة الفرنسية. هى تريد أن تبقى جزءا من المنظومة العالمية المسيطرة حتى ولو عن طريق السينما، طالما أنها لم تكن لها اليد الطولى فى صراع الهيمنة السياسية.

 

هى تدرك أنها لا يمكن أن تتخلى عن صناع السينما الموهوبين، وتجعلهم يقفزون إلى أحلام وأوهام هوليوود، وبالتالى تتقلص جذور الهوية وتتهاوى الرؤى القومية، وهنا ربما يعى المسئولون فى مصر هذا الدرس ويحاولون إنقاذ ما تبقى من رصيد سينما مصرية واعية وخالصة ومخلصة لقوميتها، والفرصة متاحة لأن تقف الدولة بجانب المخرجين والمؤلفين الجدد وشركات الإنتاج الوليدة وتدعمهم بحق، بدلا من الزحف وراء شحاذة الأموال من قبل مهرجانات ومؤسسات سينمائية خليجية تفرض شروطها فى العمل وفى مقدمتها أن يعرض أولا على شاشاتها، وهو ما منح بالتعود إحساسا لدى صناع هذه الأعمال الممولة بأن مصر ومهرجاناتها وجماهيرها ودور العرض لم تعد فى حساباتهم، فهم يكتفون بالعرض الخارجى، وحجتهم أنه لا أحد يلتفت إليهم فى بلدهم، ولا يفكر فيما يعملون وبما يقدمون من تجارب.. ليصبح حتى صناع السينما المستقلة فى غربة عن بلدهم.

 

إن أصحاب شركات الإنتاج والتوزيع الكبرى تفرض نفسها على السوق وتحتكر أغلب المشاهدين بما تقدمه من أعمال ترضى خزائنها بغض النظر عن كون هذه الأعمال تحسب لهوية مصرية تفتخر بها أم لا، والواقع أنهم يبيعون الهوية ويفرطون فى القومية والجنسية السينمائية المصرية فى غفلة من الزمن، وهى بالقطع لا تحتاج لدعم، لأنها تغذى نفسها بنفسها، بينما هناك شباب وشيوخ يملكون القدرة للحفاظ على ما تبقى من قيمة سينمائية مصرية خالصة يمكنها أن تعيد لشعوب العالم العربى ودول أفريقيا الالتفاف حول مصر السياسة ومصر الثقافة ومصر الإبداع،ومصر اللغة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved