قواعد الحوار المثمر ومؤتمر الأحزاب فى مصر

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 17 نوفمبر 2014 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

اجتهد علماء السياسة وفى مقدمتهم الفيلسوف الألمانى الأشهر يورجين هابرماس فى اكتشاف القواعد المثلى التى ينبغى أن تتوافر فى أى حوار يمكن أن يكون أساسا لوفاق عام فى المجتمع ويعزز من شرعية النظام السياسى الديمقراطى. ومع أن هذه القواعد قد تبدو مثالية فى نظر الكثيرين، إلا أن الاسترشاد بها مفيد فى توقع مدى مساهمة أى حوار فى تقريب الفجوة بين أطرافه؛ ومن ثم تخفيف درجة التوتر أو الاحتقان التى قد تنجم عن استمرار خلافات بدون حسم بين هذه الأطراف.

أولى هذه القواعد أن يكون كل أطراف الخلافات الأساسية فى المجتمع مشاركين فى هذا الحوار، فلا جدوى من حوار يُستبعد منه طرف رئيسى تحت أى ذريعة، فليس من المتوقع من هذا الطرف أن يلتزم بنتيجة حوار لم يشترك فيه أصلا.

وثانى هذه القواعد ألا ينفرد أى طرف بتحديد الموضوعات التى يشملها هذا الحوار، فالحوار يجب أن يكون شاملا لكل القضايا، وخصوصا القضايا الخلافية، فلا تستبعد أى منها مجاملة لأحد الأطراف أو خشية أن يسبب له هذا الموضوع أى حرج.

وثالث هذه القواعد ألا يدخل أحد الأطراف هذا الحوار وهو على قناعة بأنه يحتكر الحقيقة الكاملة، وأن الآخرين ليس لخطابهم أى مصداقية، أو لا يستند إلى واقع، ولا يقوم على أسس يجب أن تحظى بالاعتبار والتقدير أيا كانت درجة الاختلاف معه.

ورابع هذه القواعد هو أن يكون كل طرف فى الحوار مستعدا لقبول جانب من وجهات نظر الآخرين وللتنازل عن مواقفه القصوى، فلا يكون الحوار مضيعة للوقت مادامت أطرافه أو بعض أطرافه لا يريدون التزحزح عن المواقف التى دخلوا بها فيه.

•••

فهل يمكن أن تنطبق هذه القواعد على الحوار الذى سيدور فى إطار مؤتمر الأحزاب الذى دعت له «الشروق»؟ تثير كل من هذه القواعد قضايا عديدة، ولكن إذا كان الحوار نفسه عملية تعليمية لكل أطرافه، فيمكن ألا تكون أوضاع أطرافه المحتملين مشجعة فى البداية على توقع حوار مثمر لأن بعض القواعد المذكورة لا تتوافر، ولكن القبول بالدخول فى الحوار وممارسته قد ينتهى بتغير فى مواقف بعض أطرافه، ومن ثم تتوافر هذه القواعد لاحقا. وربما ينطبق ذلك على القاعدتين الثالثة والرابعة، فمن يدخل الحوار متصورا أنه يملك كل الحقيقة متشبثا بمواقفه القصوى، قد يدرك، إذا ما توافر شرط حسن النية، أن للآخرين حججا وجيهة تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار، ومن ثم يغير مواقفه بالتنازل عن بعض مطالبه. غير أن المعضلة الكبرى تكمن فى القاعدتين الأولى والثانية: هل سيكون الحوار مفتوحا لكل الأطراف المؤثرة؟ وهل ستكون هناك قيود على تحديد موضوعات الحوار؟.

•••

لا شك أن أهم طرف فى هذا الحوار هو الدولة ممثلة برئيسها. وليست المطالبة بحضور الرئيس السيسى محاولة لإحراجه أو لوضع شروط مسبقة يستحيل تنفيذها كذريعة للتهرب من الحوار، ولكن لأن مواقف الأحزاب معروفة، وهى تجتمع فيما بينها، وقد التقت أخيرا وأصدرت بيانا يدين الإرهاب. وإذا كانت هناك خلافات بينها حول توزيع المقاعد فى انتخابات مجلس النواب المقبلة فهذا أمر مألوف ومتوقع وهو معتاد فى ظروف المناسبة الحزبية. والانتخابات هى مثل بارز للمنافسة، ولذلك يحرص كل حزب على أن تتوافر الظروف التى تسمح له بأن يحصل على أكبر عدد من المقاعد فى انتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة للجميع. ولكن المشكلة الآن أن للأحزاب كلها تقريبا مواقف محددة من قانون الانتخابات الذى تمت صياغته على نحو يهمش تماما وجودها داخل المجلس المنوط به مهمة التشريع ومراقبة الحكومة. ولم يعرف التاريخ الحديث نظاما ديمقراطيا ليبراليا بلا أحزاب وبلا معارضة. ونظرا لأن رئيس الوزراء يأبى أن يكون له موقف فى القضايا السياسية ويحيل مثل هذه الأمور إلى ما يسميه بدوائر صنع القرار، فلا مناص إذن من حضور هذه الدوائر وهى تحديدا رئيس الجمهورية الذى يجب أن يحضر بنفسه، ويستمع لما يقوله قادة الأحزاب، ويضرب مثلا على إيمانه بالديمقراطية بقبول أهم مطالبها بتعديل قانون الأحزاب.

•••

والطرف الآخر الذى لا يريد أحد ذكره ولكن غيابه عن هذا الحوار سوف يقلل من أثره فى تخفيف حدة الاحتقان السياسى فى المجتمع، هو الإخوان المسلمون. وهذه مشكلة أساسية فى هذا الحوار. من المؤكد أن الإخوان فقدوا قدرا كبيرا من تعاطف المواطنين معهم بآدائهم فى الحكم حتى يونيو 2013 وبعد خروجهم منه، ولكن مازال لهم رصيد بين قطاعات من المهنيين والطبقة الوسطى خصوصا فى محافظات الوجه البحرى وبين طلاب الجامعات. بل هم الفريق السياسى الذى يملك تنظيما بكل مساحة الوطن وهو ما لا يملكه أى حزب آخر، واستبعاده من الحوار يعنى استمرار مظاهرات أنصاره وربما ما يصاحبها من العنف فى مدن الدلتا والقاهرة. ووضع الإخوان المسلمين فى هذا الحوار معقد، فالأحزاب القائمة والرئيس لا يريدونهم، وهم لا يبدون رغبة فى المشاركة فيه. لن يخسر منظمو هذا الحوار لو وجهوا لهم الدعوة ووضعوهم أمام مسئولياتهم، بل سيكتسب الحوار مصداقية لدى الرأى العام لو وجهت الدعوة للإخوان، وسيخسر الإخوان إن رفضوا الدعوة.

•••

وأخيرا، هل يقتصر أطراف الحوار على الأحزاب وممثلى الدولة أم أنه يجب أن يتسع لمشاركة عدد محدود من الشخصيات العامة التى تلقى قبولا واسعا فى المجتمع، والذين يمكن لهم أن يعبروا الفجوة لو ظهرت بين الأحزاب وممثلى الدولة؟ ويمكن لهم أن يطرحوا أفكارا بناءة ومبتكرة قد لا تأتى من أحزاب تيبست أطرافها بفعل القيود المفروضة عليها وضعفها الذاتى، أم أن الرغبة فى الاستئثار بالزخم الإعلامى ستجعل الأحزاب تصر على ألا يكون لأى طرف آخر وجود فى هذا الحوار سوى قادتها وممثلى رئيس الدولة الذى لن يكون بوسعه حضور كل الاجتماعات؟.

القاعدة الثانية الصعبة هى مدى حرية الأطراف فى تحديد جدول أعمال الحوار. هل سيجرؤ أطراف الحوار على طرح مسألة سيادة القانون فى مصر ومدى الالتزام بأحكام الدستور؟ وقد فصل الكاتب فى مواضع أخرى جوانب الخروج عن الدستور فى أفعال السلطة التنفيذية. وهل سوف تشمل موضوعات الحوار ما يُقال عن انتهاكات لحقوق الإنسان فى مصر؟ وهل ستقبل وزارة الداخلية أو من يمثل الدولة حديثا صريحا وموضوعيا فى هذا الموضوع؟ وهل سيكون لمسألة إصلاح الأجهزة الأمنية والتى لا تقتصر على الشرطة وحدها مكان على جدول الأعمال؟ أم أن بعض هذه الموضوعات سيجرى تجاهلها بدعوى عدم إحراج الدولة وتعزيزا لفرص نجاح الحوار؟ لا أظن أن حوارا لا يتطرق لهذه القضايا سوف تكون له مصداقيته بين قطاعات واسعة من الرأى العام المستنير فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved