محاولة لفهم فوز ترامب

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 17 نوفمبر 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

اعتذرت عن نشر مقال الأسبوع الماضى على صفحات الشروق والذى كتبته قبل انتهاء سباق الانتخابات الأمريكية، فلم يعد المقال وعنوانه «ترامب لم يهزم» صالحا للنشر بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية. وذكرت فى هذا المقال أنه وعلى الرغم من عدم ظفر ترامب بالبيت الأبيض، فإنه لم يهزم فقد نجح فى إحداث ثورة بالمعايير السياسية الأمريكية، ونجح فى إثارة حماس ملايين الناخبين ودفعهم للمشاركة السياسية بصورة غير مسبوقة.

وعلى الرغم من أننى كتبت على صفحات الشروق فى مارس الماضى مقالا عنوانه «استعدوا للرئيس دونالد ترامب» متنبأ بفوزه بالرئاسة، فإننى غيرت رأيى بعد ذلك بشهور وتوقعت فوز كلينتون.. وهكذا انتهيت إلى الخطأ وسوء التقدير.

***

ويبقى السؤال الأهم اليوم يرتبط بفهم وتحليل ما حدث من أجل ضبط بوصلة التعامل مع ما هو قادم من واشنطن خلال السنوات الأربع المقبلة. وعلينا التمييز بين شقين مختلفين، الأول يتعلق بالأسباب التى دفعت ما يقرب من 60 مليون أمريكى للتصويت لترامب، والثانى يتعلق بأسباب هزيمة هيلارى كلينتون، والتى لا تتعلق بهوية منافسها ترامب. ولفهم ما جرى، علينا التأكيد أنه لا توجد حقائق صحيحة واحدة متفق عليها، بل هناك عدد من الاجتهادات التى تتداخل وتتشابك وتتعقد وتتناقض أحيانا مع بعضها البعض. ولا أعتقد أن دونالد ترامب نفسه يعرف بدقة أسباب نجاحه. دخل ترامب سباق الرئاسة ساعيا للتسلية والترفيه متوقعا انهاء حملته الانتخابية بعد شهرين أو ثلاثة أشهر كغيره من أغلبية المرشحين للرئاسة. ساهمت عوامل مختلفة فى صعوده الصاروخى، فى وقت لم يكن يحلم هو شخصيا بوصوله للبيت الأبيض. أدرك ترامب أهمية الإثارة إذ إنها تقلل دور العقل فى اتخاذ القرار، ونجح أن يجعلها الانتخابات الأكثر إثارة فى العصر الحديث.

فاز ترامب لإدراكه أن أمريكا والعالم تمر بلحظات غير تقليدية لا يجوز معها اتباع أساليب تقليدية سواء فى الحملة الرئاسية أو فى طريق مخاطبة الناخبين. وفاز ترامب لنجاحه فى تحصين نفسه ضد أى أخطاء أو سقطات، يقول ما يقول، ويخطئ ما يخطأ وذلك كله بدون حساب. لم يتفوه ترامب حتى اللحظة بكلمه «آسف» أو «لم أكن أقصد ذلك»، وكان كل ما ذكره كفيل بإسقاط أى مرشح تقليدى. وأدرك ترامب أهمية إثارة الجدل والحماس، وعدم وجود تكلفة لإطلاق الوعود الفارغة. كذلك أدرك ترامب أن ثلثى الأمريكيين يرون أن بلادهم تسير فى الاتجاه الخاطئ، وأن هناك حاجة لكى يصبح مرشحا مختلفا من خارج منظومة واشنطن التقليدية. ويرتبط بهذه النقطة حالة ترهل وضعف وعدم ثقة واسعة من المواطنين فى المؤسسات الحزبية القائمة. ويقصد بالمؤسسة الحزبية، والتى يطلق عليها Establishment، شبكة شديدة التعقيد رسمية وغير رسمية تتكون من كبار المسئولين الحاليين والسابقين للحزب، وممثلى الحزب سواء فى الكونجرس أو المناصب التنفيذية، رجال المال والأعمال القريبون من الحزب، المراكز البحثية المرتبطة بالأحزاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأخيرا وسائل الإعلام القريبة من تلك الأحزاب مثل محطة فوكس Fox News القريبة من الجمهوريين، أو محطة إم إس إن بى سى MSNBC القريبة من الديمقراطيين.

فاز ترامب لمخاطبته جمهور يشعر بالجرح والهزيمة بطريقة أبوية بها عطف ووعود غير واقعية، إلا أنها كانت ضرورية. أرضى ترامب المحافظين الاجتماعيين المتدينين الذين يمثلون حجر الأساس وسط الفئات المؤيدة للحزب الجمهورى عن طريق الوقوف فى وجه سياسات أوباما التى يرونها استفزازية ومعادية لقناعاتهم الدينية مثل تقنيين زواج المثليين أو دعم الجماعات المؤيدة للإجهاض بأموال دافعى الضرائب. وعلى الرغم من أن ترامب يمثل تماما نقيض الصورة الذهنية لرجل الدولة الملتزم عند هؤلاء الناخبين إذ يعيش ترامب حياة صاخبة أقرب لحياة نجوم هوليوود فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، تزوج ترامب ثلاث مرات، ولم ينكر ترامب، بل يتباهى باحتفاظه الدائم بعلاقات جنسية متنوعة خارج إطار الأسرة. ولا يذهب ترامب للكنائس، ولا يعرف عنه ممارسة أى مظاهر للتدين بل هو دائم الكذب، ويغير رأيه بخصوص الكثير من القضايا. ويعرف الناخبون ذلك، ويقبلون به.

***

فاز ترامب لإرضائه العمال الغاضبين مما آل إليه مصيرهم بسبب العولمة ونقل الكثير من المصانع لخارج الولايات المتحدة توفيرا لتكلفة العمالة المرتفعة داخل أمريكا. أرضى ترامب هؤلاء بوعدهم بإلغاء اتفاقيات التجارة الحرة واعادة تشغيل المصانع وإعادتها لأمريكا. لم يأبه هؤلاء بعدم واقعية الوعود واستحالة تنفيذها. تصنيع بعض سيارة فورد فى المكسيك يجعل سعرها بين 16ــ20 ألف دولار، فى حين أنه فى حال تصنيعها فى ميتشيجان أو أوهايو سيرتفع سعر بيعها إلى ما بين 28 و32 ألف دولار. فاز ترامب لإقناعه هؤلاء بإمكانية ترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعى يقومون بأعمال لا يقدم عليها فى الأغلب الأمريكيون البيض.

نجح ترامب لإدراكه بعدم أهمية الإطار الأيديولوجى لأغلب الأمريكيين مقابل إدراكه اهتمامهم الكبير (مثل بقية شعوب العالم) بهويتهم وانتمائهم الدينى والاثنى والعرقى. استطاع ترامب أن يأسر قلوب ملايين الأمريكيين بنمط حياته المرفهة، واستطاع أن يجعلهم يحلمون بنفس نوعية الحياة حال وصوله للبيت الأبيض. البعض يؤمن بشخص ترامب، ويراه شخصا يمثله أو يشبهه، أو يراه يعكس شجاعة قول ما لا يستطيع بقية السياسيين قوله، والبعض يراه متعجرفا ومحدودا لكنه استطاع أن يأسر قلوبهم رغم إدراكهم كذبه أحيانا، وادعاءاته أحيانا أخرى. كذلك أدرك ترامب أن الناخب الذى جاء بجورج بوش لفترتين رئاسيتين، أعقبهما باختيار أوباما كأول رئيس أسود لفترتين أيضا، هو ناخب تواق للتغيير من النقيض للنقيض.. وأدرك ترامب أنه نقيضا جيدا لباراك أوباما على العكس مما تمثله هيلارى كلينتون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved