طاهرقا الفرعون النوبى

حسين عبدالبصير
حسين عبدالبصير

آخر تحديث: الأحد 17 نوفمبر 2019 - 11:25 م بتوقيت القاهرة

بعد انهيار السلطة المركزية فى مصر الفرعونية بعد الحكم الليبى، أخذ الكوشيون أو النوبيون الموجودون إلى الجنوب ينظرون شمالا ويتطلعون إلى حكم مصر القوية التى انهارت، غير أنهم لم ينظروا للأمر على أنه غزو للشمال، لمصر الكبيرة الأم حاضنة الثقافة ومبدعة الدين. والحقيقة أنهم رأوا أنه بتوجههم شمالا بأنهم يرممون الدولة العظيمة وينقذون سلطة وسيادة المعبود آمون، ذلك الرب الذى دانوا له بالعبادة والقداسة والولاء منذ أمد بعيد. ولذلك عندما تحرك الملك بيعنخى أو «بيا» إلى الشمال ضد مجموعة مكونة من أربعة ملوك مصريين فى العام الحادى والعشرين من حكمه الكوشى أو النوبى، أى فى حوالى العام 727 قبل ميلاد السيد المسيح، فقد نظر إلى الأمر على اعتبار أن أولئك الملوك الأربعة كانوا بمثابة الأطفال الصغار الذين خرجوا عن الطوع وكان عليه أن يجعلهم يعودون إلى صوابهم وأن يعودوا إلى الصراط المستقيم. وقد انتصر عليهم بيعنخى وجعل منهم حلفاء وعينهم كحكام محليين فى مقاطعاتهم باستثناء الأمير تف نخت الذى هرب إلى شمال الدلتا محاولا تجميع قواته، وفى الوقت نفسه، أرسل إلى بيعنخى خطابًا بليغًا يطلب فيه منه الهدنة. ومن هنا جاء الحكم الكوشى أو النوبى إلى مصر والذى نعرفه عادة بحكم الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية فى تاريخ مصر الفرعونية.
ومن سلالة الملك الكوشى أو النوبى بعنخى، جاء بعد فترة الملك الأشهر طاهرقا الذى خلف أخاه الملك شبتكو فى حكم مصر كفرعون من أصول كوشية أو نوبية متمصرة. وفى آشور، فى العراق القديم، والتى سوف تدخل فى صراع مع مصر الكوشية أو النوبية، تم اغتيال الملك سنحريب فى مدينة نينوى العراقية الشهيرة، فى عام 681 قبل ميلاد السيد المسيح، وتولى الحكم من بعده ابنه آسر حدون. ويعتبر اسم الملك طاهرقا أكثر الأسماء شهرة وارتباطًا بالأسرة الخامسة والعشرين الكوشية؛ نظرًا لأنه أكثر الفراعنة ذوى البشرة السمراء بناءً وتعميرًا فى مصر. ولا يمكننا أن ننسى العمود الرائع الذى أقامه فى الفناء الأول لمعبد آمون فى الكرنك، والذى كان واحدًا من سلسلة من الأعمدة التى كانت تشكل بناءً عظيمًا فى الكرنك. وكان الملك طاهرقا نشيطًا أيضًا فى بلاد النوبة بلاده الأصلية. ففى كاوة، أعاد إعمار الموقع المهجور بعد أن كان قد أسسّه الفرعون البنّاء الملك أمنحتب الثالث الفرعون الشمس، وخصصه الملك طاهرقا لربه المحبوب الإله آمون. وأقام الملك طاهرقا بهذا الموقع بناءً عظيمًا يأتى فى المرتبة الثانية بعد معبد جبل برقل الشهير.
وكانت فترة حكم الملك طاهرقا من فترات المواجهة الشرسة مع قوة الإمبراطورية الآشورية الضاربة فى منطقة الشرق الأدنى القديم. ففى عسقلان على الحدود المصرية ــ الفلسطينية، واجه الملك الآشورى آسر حدون فى عام 673 قبل ميلاد السيد المسيح القوى المتجمعة مع المدينة المتمردة وكانت معها مصر. وفى عام 671 قبل الميلاد، هاجم الملك الآشورى آسر حدون مصر وتعمق فيها بشدة حتى احتل العاصمة المصرية الأزلية منف، وأسر ولى العهد المنتظر وكل أفراد عائلة الملك طاهرقا ما عدا الملك طاهرقا نفسه الذى هرب إلى الجنوب إلى مدينة طيبة أو الأقصر الحالية. وفى عام 669 قبل الميلاد، عاد الملك الآشورى آسر حدون إلى مصر، غير أنه مات فى الطريق إلى مصر، وخلفه فى الحكم ابنه الملك الآشورى الأشهر آشور بانبيال والذى تراجع عن غزو مصر مؤقتًا. ثم قام الملك الآشورى آشور بانبيال بغزو مصر لاحقًا والقضاء على كل نبلاء الشمال ما عدا عائلة نخاو الأول الذى سوف يأتى من صلبه ملوك الأسرة السادسة والعشرين الصاوية، والتى جاءت من مدينة سايس فى وسط الدلتا المصرية. وبذلك فقد ترك طاهرقا العاصمة منف ثانية، وهرب إلى الجنوب، إلى ما وراء طيبة إلى عاصمته البعيدة ناباتا فى أقصى الجنوب تلك المرة. وبقى عمدة طيبة النبيل الشهير مونتو إم حات محاصرًا يواجه قسوة الغزو الآشورى الذى دمر طيبة وآثارها العريقة انتقامًا من مصر وحكامها الكوشيين الذين كانوا يعاونون حكام بلاد الشام ضد الحكم الآشورى. واستسلم عمدة طيبة مونتو إم حات. وفى عام 665 قبل الميلاد، اختار طاهرقا ابن عمه تانوت آمانى كولى لعهده وكشريكه فى الحكم. ومات طاهرقا فى العام التالى.
وهكذا انتهى حكم دولة كوش الضعيفة التى لم تستطع أن تحكم مصر القوية التى من رحمها جاء ملوك الأسرة التالية، وأعنى الأسرة السادسة والعشرين الصاوية، الذين وحدّوا مصر تحت حكم وطنى، وأعادوا لمصر مجدها القديم لفترة قصيرة من الزمن قبل أفول نجم مصر الفرعونية.
مدير متحف الآثار ــ مكتبة الإسكندرية

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved