طريق الشباب نحو كتلة تاريخية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 17 نوفمبر 2021 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

أثبتت الانتفاضات الشعبية التى تفجرت فى العديد من أقطار الوطن العربى عبر السنوات العشر الماضية عجزها عن تحقيق أهدافها المعلنة. وكانت أهم أسباب ذلك العجز النواقص فى أعداد وخبرة وكفاءة الكثير من القيادات الشبابية، الأمر الذى أفسح المجال لانتهاز تلك الفرصة وسد تلك الثغرات القيادية من قبل قوى حزبية أو نقابية مارست القيادة الانتهازية، غير المالكة للقيم الأخلاقية الثورية، الأمر الذى قاد إلى ارتكاب أخطاء وخطايا، مما ساعد على تراجع وانتكاس الكثير من انتفاضات الشباب الجماهيرية، وعلى نجاح الدولة العميقة فى إطفاء ألق عربى كان واعدا بأن يكون مبهرا وعميقا.
من هنا تبينت الحاجة الملحة لضرورة التحاق ملايين الشابات والشباب العرب بالأحزاب القائمة، أو خلق أحزاب جديدة إن لزم الأمر، وبالنقابات بكل أنواعها، وبالتنظيمات المهنية، وبالجمعيات الأهلية الفاعلة، عسى أن يتبع ذلك الالتحاق جهود شبابية لتجديد فكر واستراتيجيات وممارسات تلك القوى المدنية التى يلتحقون بها، واستلام القيادة من أيادى قيادات ترهل بعضها أو استسلم أو اخترق من قبل مغريات المال أو الوجاهة أو السلطة.
بمعنى آخر، ليس الهدف هو الاكتفاء بالسباحة فى نفس المياه الآسنة والمتعفنة مع الآخرين العاجزين، وإنما فتح مصادر مياه نظيفة متدفقة لخلق شلالات فكرية ونضالية تنظف وتجدد تربة الأرض المدنية العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لماذا الحاجة لذلك؟ لأن تلك الخطوات الضرورية لتجديد دم المجتمع المدنى مفصلية تسبق قيام كتل تاريخية مجتمعية، على المستويين الوطنى والقومى، تقود النضالات الجماهيرية من أجل إخراج الأمة العربية من الوضع الحضارى المتردى والمتخلف الذى تعيشه.
يعتقد أن المفكر والمناضل الثورى الإيطالى غرامشى هو الذى بلور فكرة «الكتلة التاريخية» التى تبدأ بمجموعة من المثقفين العضويين الملتزمين بقضايا مجتمعاتهم لتنتهى بانضمام كل الفئات التى تنشد التغييرات المجتمعية، وذلك من أجل التصدى لمشاكل مجتمعية خطرة كبرى لا تستطيع جهود فئة مجتمعية محدودة مواجهتها لوحدها.
لقد تبنى تلك الفكرة الثورية العديد من الكتاب العرب من مثل المرحوم محمد عابد الجابرى الذى نادى بقيام «كتلة تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة» تتعلق بالتحرر وإقامة نظام حكم عادل وبناء مجتمع منتج.
وكذلك تبنت الفكرة مؤسسات من مثل مركز دراسات الوحدة العربية الذى ربط قيام تلك الكتلة بالمشروع النهضوى العربى الهادف لتحقيق الوحدة العربية والاستقلال الوطنى والقومى والديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية والتجديد الحضارى.
مثلما توجه غرامشى نحو قيام «كتلة تاريخية» عندما تبين له عدم قدرة حزب واحد أو مؤسسة الكنيسة أو مجموعة مثقفين على مواجهة إشكالات وطنه الإيطالى الهائلة، فعل المنادون بضرروة قيام «كتلة تاريخية عربية»، وذلك عندما تبين لهم عدم قدرة أى حزب عربى وطنى أو قومى قيادة التصدى للمشاكل المحلية الوطنية أو المشكلات القومية العربية الكبرى، وتبين لهم أن المؤامرات على هذه الأمة تزداد، وأن أعداءها يعملون بتناغم وتكاتف، وأن تفتت الوطن العربى إلى نتف صغيرة عاجزة قد أصبح واقعا.
ما يهمنا بالدرجة الأولى من إعادة طرح موضوع طرحه الآخرون فى الماضى مرات كثيرة هو توعية شباب وشابات الأمة بأن الجهود والتضحيات الفردية والفئوية المتناثرة، والتى ما إن تنفجر حتى تخمد، وما إن تنجح فى إزالة طاغية حتى تواجه عشر طغاة جدد، لن تكون كافية لإخراج مجتمعاتهم من الجحيم والأهوال والمؤامرات الداخلية والخارجية التى تواجهها. لا بد أولا من انضمامهم، زُرافات ووُحدانا، لمؤسسات مجتمعاتهم المدنية، أو خلق مؤسسات جديدة، ثم جعل تلك المؤسسات ديموقراطية نضالية تجديدية فاعلة، ثم النضال من أجل أن تتوجه تلك المؤسسات نحو التعاون والاندماج النضالى فى كتلة تاريخية عربية تنقلنا من تاريخ وحاضر مأزومين إلى مستقبل حضارى إنسانى. ليست مهمة سهلة، لكنها غير مستحيلة.

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved