نخب مشوهة ودستور مثالى.. كيف؟

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 17 ديسمبر 2013 - 7:00 ص بتوقيت القاهرة

فى ظل النظم غير الناضجة سياسيا فى دول العالم الثالث، تنتشر بين نخبها الفكرية والثقافية مدرسة «كل شىء أو لا شىء»، تلاميذ هذه المدرسة على كل شكل ولون من مختلف الايديولوجيات، منهم حملة الدكتوراه وأساتذة جامعات وناشطون فى منظمات سرية وقيادات بحركات شبابية ثورية، ومنهم المخلصون لأفكارهم، وفيهم انتهازيون ومحتالون يمارسون النصب العلنى على الشعب المصرى، ومع ذلك فهم يلتقون الآن تحت راية واحدة وهى: ضرب الدستور الجديد، ونعته بمختلف الاتهامات، تبدأ من كونه معاديا للحريات، ومخالفا لشعارات ثورة 25 يناير، وتنتهى باعتباره دستورا إقصائيا يستبعد فصيل الإخوان المسلمين من المشهد السياسى، ويكرس لحكم شمولى بصبغة عسكرية !

هذه النخب ــ التى لا تزال فى طور المراهقة السياسية ــ تطالب بدساتير مثالية فى مجتمع سياسى مشوه تشويها كاملا على مستوى وعيه الثقافى ومؤسساته الحزبية، يعيش أكثر من نصف أفراده تحت خط الفقر، ويعانون من سطوة التفكير الأسطورى ويرون فيه حلا لمشاكلهم الاقتصادية والحياتية، وكأن هذه النخب تعيش فى يوتوبيا لا توجد إلا فى خيالهم المشوه معرفيا والمستلب ثقافيا، فهم يرون أن معركتهم مع الدستور الجديد هى أم المعارك، وان الدستور المثالى هو الطريق الوحيد لإقامة مجتمع مثالى يحقق أهداف ثورة يناير فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهم يضعون بذلك العربة أمام الحصان، فالدستور ــ اى دستور هو الابن الشرعى لتطور مجتمعه، يعبر بدقة عن درجة تخلفه أو تقدمه، وإلا فإنه يصبح مجرد حبر على ورق، لا يغنى ولا يسمن من جوع، وفى النهاية سيفقد قيمته بل واحترامه ايضا، وسيفتح الباب خطوة خطوة لاختراقه من قبل السلطة الحاكمة، تماما مثلما فعل المخلوع مبارك، الذى بدأ عمليات الخصخصة وتسليم الاقتصاد للقطاع الخاص فى ظل دستور 71، الذى كان يؤكد على ان القطاع العام هو الذى يقود عجلة التنمية، فى ظل نظام اشتراكى ديمقراطى يستند إلى المقولة الناصرية الشهيرة حول تحالف قوى الشعب العاملة !!

هذه الجريمة الدستورية التى ارتكبها مبارك ولم يحاسبه عليها أحد حتى الآن، سوف تتكرر بحذافيرها، بناء على تصورات هذه النخب للدستور المثالى الذى يريدونه، وهم يريدون هذا الدستور الأسطورى، وإلا فإنهم يريدون هدم المعبد على من فيه.. هم يريدون أيضا مصالحة دستورية مع الإخوان المسلمين، ويتجاهلون ان الإخوان يرفعون السلاح لاستعادة دستورهم العشائرى الإقصائى، بل ويعترفون بالتخطيط لإعداد انقلاب مسلح ضدها، سيعلقون بعد نجاحه رءوس قادة ثورة 30 يونيو على المشانق !

الدستور الجديد به الكثير من المثالب، وهو بالفعل يقدم تنازلات غير مقبولة للمؤسسة العسكرية، ولكنه أيضا ابن شرعى لموازين القوى الراهنة التى فرضت على الجيش أن يوقف زحف مافيا الإخوان لاحتلال الدولة المصرية، بعد عجز كل القوى السياسية والمدنية بلا استثناء عن مواجهة هذه المؤامرات الإخوانية، والمؤكد انه عندما تستعيد قوانا السياسية عافيتها المؤسسية سوف يسقط هذا الدستور الجديد من تلقاء نفسه، ولن تستطيع أى سلطة مهما كانت غاشمة أن تتمسك به.

العمل السياسى والنضالى فى الشوارع بين الفقراء والمهمشين هو المداد الوحيد الذى نكتب به دستورنا الديمقراطى المنشود، والعمل على بناء مؤسسات جماهيرية ديمقراطية خطوة اولى على طريق هذا الدستور، وإلا فإننا سنظل أسرى الصراع بين الفاشية الدينية والعسكرية.. خاصة ان نخبتنا الحالية لا تزال مشغولة بحربها الضروس ضد طواحين الهواء!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved