مصر والسعودية بين بلح الشام وعنب اليمن

ياسمين فاروق
ياسمين فاروق

آخر تحديث: الخميس 17 ديسمبر 2015 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

هناك حملة اهتمام فى الصحف الإقليمية التابعة للإمبراطورية الإعلامية السعودية تتناول السياسة المصرية داخليا وخارجيا. وعلى عكس ما يولده هذا النوع من الحملات الناقدة عادة لدى بعض افراد النخبة المصرية من رغبة فى الردو الدفاع عن النفس، يجب أن تدفعنا هذه الحملة إلى التفكير فيما تطرحه من حجج فيما يخص السياسة الخارجية المصرية ــ التى أزعم أنها مصدر ازعاج فى المملكةــ بالمقارنة مع السياسة السعودية. هذا هو موضوع المقال. وقد دفعنى ذلك إلى التركيز على قضيتى اليمن وسوريا. ففى الحقيقة، تلخص هاتان القضيتان نقاط المقارنة بين السياستين الإقليميتين لكل من المملكة والجمهورية.

لقد اعتمدت السياسة السعودية فى هاتين القضيتين على استثمار أموال كثيرة فى الحركات الإسلامية السنية. وعلى عكس رؤية النظام المصرى حاليا، ترى المملكة فى هذه الحركات الكابح الحقيقى للجماح «الفارسى» فى المنطقة والأداة الأساسية لحربها بالوكالة ضد تكوين كماشة إيرانية حول مساحة تبدأ من سوريا ومنها إلى لبنان والعراق ومن اليمن ثم إلى السعودية ذاتها وباقى دول الخليج. وعلى الرغم من عدم قدرة هذه الحركات على حسم هذه المعارك للصالح السعودى فى سوريا أو اليمن، فهى تسمح للمملكة بأن تكون فاعلاً أساسياً لا يمكن تجاهله فى صفقات تسوية هذين الصراعين. إلا أن حدود نجاح سياسة المملكة يقف عند وجودها حول طاولة الحوار.

انقلب السحر على الساحر فى سوريا وإلى حد ما فى اليمن. إذ تحولت هذه الحركات الإسلامية إلى ضرب المصالح السعودية بشكل مباشر وغير مباشر بسبب فقدان المملكة القدرة على السيطرة على هذه الحركات بعد أن نجحت فى تطوير مراجع أيديولوجية ذاتية أو إيجاد مصادر تمويل خارجية بديلة. ففى اليمن، يضاف إلى تمويل الحركات الإسلامية اعتماد السعودية اليوم على قوات سودانية وإماراتية وكذلك دولة الإمارات على قوات أجنبية. وعلى الرغم من المساندة الدولية للسعودية فى اليمن وسيطرة المملكة على أية تسوية يمكن التوصل إليها فى هذا الملف، فإن الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى ما زال لا يستطيع الرجوع إلى القصر الجمهورى فى صنعاء.

من ناحية أخرى نجح الحوثيون فى ضرب جازان ونجران فى داخل السعودية متسببين فى سقوط شهداء على أرض الوطن بالإضافة إلى من يسقطون على أرض المعركة. وعلى شاكلة ما يحدث فى سوريا، لم تعد المملكة قادرة على السيطرة بشكل تام على الحركات السنية فى اليمن من خلال التمويل والتسليح بلو تجد نفسها تغذى موقف القاعدة هناك.

***

أمام هذا الاستثمار السعودى الذى لا يحقق دائما نتائجه، نجد مصر أيضا عاجزة عن فرض نفسها كلاعب يستطيع إنجاح أية تسوية نهائية يمكن التوصل إليها فى أى من الملفين أو على الأقل فى أن يصبح مصدر إزعاج إذا لم يتم التوصل إلى التسوية التى تخدم مصالحه. بل إن الدور المصرى فى الصراعين، يعتمد على الحالات التى يقوم فيها لاعبون دوليون «بدعوة» مصر إلى المشاركة فى مفاوضات الحل النهائى أو التدخل العسكرى. مصر حتى الآن لم تستثمر أرصدة فى هذه الصراعات ولا فى صفقات حلها، وإن استمرت فى محاولتها لعب دور. بل إن مصر فقدت ما كان ممكنا استثماره فى هذه الصراعات بعدما أعلنت الحرب على كل حركات الإسلام السياسى ــ العنيفة منها وغير العنيفة ــ وعلى حركات التحرر الجديدة كالثورات. هكذا فقدت مصر أهم أدوات «القوة الناعمة» التى كان أغلبنا يتغنى بها وبانفراد مصر بتملكها فى العالم العربى واستبدلتها بـ«القبضة الأمنية». لقد أصبح تخصص مصر على المستوى الدولى هو «محاربة الإرهاب».

هكذا ينشغل دور مصر الإقليمى بمرحلة النزاعات وليس بمرحلة تسويتها.

إن المقاربة الأمنية التى تتبناها مصر حاليا فى سياستها الخارجية تجعل من مصر جزءا من الحرب وليس جزءا من السلم. ولذلك يبقى الدور الذى يمكن أن تلعبه مصر محدودا جدا سواء فى سوريا أو اليمن، حيث قد لا يجد الأطراف الداخليون أو الخارجيون فيها حاجة إلى الدور المصرى، وبخاصة إذا لم تكن مصر قادرة على لعب دور الوسيط، الذى يمتلك إما أدوات للضغط على جميع أطراف الصراع من أجل دفعها إلى تقديم تنازلات لتقريب المواقف ووجهات النظر، وإما مساندة القوى الداخلية والخارجية الفاعلة فى الصراع لدور مصر من خلال توكيلها فى الوساطة.

معروف أن بعض الأطراف اليمنية والسورية الداخلية لجأت إلى مصر من أجل لعب دور الوساطة، ولكن ما الذى تمتلكه مصر من أجل التأثير على الأطراف الآخرين فى اللعبة اليمنية والسورية، خصوصا بعد أن امتنعت مصر ــ حتى الآن ــ عن إرسال قوات مصرية للمحاربة على الأرض، وبعد أن أعلنت الحرب على الحركات الثورية سواء أكانت سلمية أو غير سلمية وإسلامية أو غير إسلامية؟

فى الشام، تدافع مصر عن الحل السياسى وتتربع على عرش القوى الإقليمية العربية التى يقبل الأسد وساطتها بل ويطلبها. لعل هذا الموقف المصرى ــ دون تقييمه أخلاقيا ــ يواكب التحول الذى حدث فى مواقف بعض القوى الدولية، التى تخلت عن فكرة الرحيل الفورى لبشار الأسد، وأصبحت تتقبل بقاءه لفتره انتقالية خلال عملية البحث عن بديل سياسى لحكمه وبعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. ولكن ما الذى تكسبه مصر من هذا الموقف؟ لا شك، فى أن هذا الموقف يقربها من القوى الدولية ولكنه يبعدها عن السعودية التى ترى فى بقاء الأسد انتصارا لإيران، وهى خسارة لا يمكن أن تعوضها مصر لا من خلال تحقيق التوازن العسكرى فى المنطقة ــ والذى لم تستطع السعودية الاستفادة منه فى اليمن ــ ولا من خلال التوسط لدى الأسد لعدم المساس بالمصالح السعودية فى المنطقة إذ إن مصر لا تمتلك أى وسيلة من وسائل الضغط على النظام الأسدى الذى أثبت أنه لا يفى بوعوده سوى تحت التهديد، كما أن الأسد لا يمتلك أن يمنح مثل هذا الوعد فى ظل سيطرة إيران على سياسته داخليا وخارجيا. أضف إلى ذلك أن حركات المعارضة السورية أضحت لا تتقبل دورا مصريا تراه منحازا لنظام بشار الأسد.

***

يبدو أن الحصول على بلح الشام أو عنب اليمن صار اليوم متعذرا على كل من مصر والسعودية. فلماذا الهجوم الإعلامى السعودى على مصر إذا كان «الحال من بعضه»، و إذا كانت الدولتان لا تقدمان نموذجا ناجحا فى السياسة الخارجية. كذلك يصعب فهم إشارة بعض الكتابات السعودية إلى ضعف مصر سياسيا واقتصاديا على المستوى الداخلى، فهل يصدر هذا الحكم بالمقارنة بقوة السعودية اقتصاديا وسياسيا على المستوى الداخلى؟ أشك فى هذا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved